Free counter and web stats

Saturday, May 16, 2009

كان يا ما كان: فلسطين

من صحيفة الأخبار عدد 16 أيار 2009


نبيل عبدو

«ماما ليش فيه طيارات فوقنا عم تقصف؟»، سألت أمي. كان ذلك في عام 1996 ربما. يومها أجابتني: «هيدي إسرائيل يا حبيبي». لم أفهم كثيراً حينها. كنّا مذهولين ونحن نراقب الطائرات تحلق فوقنا، لكي تصل إلى البداوي وتقصف معمل الكهرباء هناك. أعتقد أننا كنّا فرحين نوعاً ما لأننا كنّا في عطلة طويلة، ولم نكن ندري بالضبط ما هو جنوب لبنان وماذا تعني فلسطين. عندما عدنا إلى المدرسة بعد العطلة المديدة، طلبت منا المعلمة أن نقف دقيقة صمت لشهداء قانا، فلم أفهم. «ماما خلصت الحرب؟»، سألتها. فأجابت «لأ، اتعلّقت. هلق في حرب بين إسرائيل وفلسطين». ازدادت الأشياء تعقيداً في ذهني الطفولي. مع نموي، كان فضولي أيضاً ينمو. شرح أهلي لي أن فلسطين أرض عربية اغتصبها اليهود ولم يدافع عنها العرب لأنهم جبناء لا يجيدون القتال. اعتنقت رأي والدي لأنه «بيعرف أكتر من كل العالم!»، ورفضت نظرية صديقي الذي أخبرني أن والده روى له كيف أن الفلسطينيين باعوا أرضهم.
بعدها بسنوات تعرفت إلى أغاني مرسيل خليفة وشعر محمود درويش، بحثت في مكتبة البيت فوجدت كتاب «حارة النصارى» لنبيل خوري، قرأته وبكيت. تعرفت إلى جمال عبد الناصر فرحت أردد «ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة!»، وفهمت أن فلسطين هي القضية القومية المركزية. مرّت الأيام، ومن حيث لا أدري أصبحت يسارياً رادكالياً لا يؤمن إلا بالثورة، ويكره القومية، فالنضال الفلسطيني يكون ضمن نضال أممي تتحرر فيه كل شعوب العالم.
في سنة البكالوريا، بعد انتهاء حصة اللغة العربية التي تحدثنا خلالها عن الأدب اللبناني والرابطة القلمية، قلت للأستاذ: «أحياناً أشعر بأن انتمائي ليس لبنانيًّا». أبدى تعجبه، فتابعت «أشعر بأنني فلسطيني». كان ذلك خلال الانتفاضة الثانية، الكوفية لم تكن تفارق رقبتي، فمي لم يكن ينطق إلا بكلمات محمود درويش، غسان كنفاني وإدوارد سعيد. كنت وأصدقائي نشعر بأننا مميزون، في مدرسة فرنسية في طرابلس معظم طلابها غير مبالين سياسياً ومتحدرون من سلالة «النوفو ريش». كان حلمي أن أدخل فلسطين حرة!
تحقق حلمي، أول مرّة رأيت فلسطين كنت في الأردن، وقفنا على قمة تلة فرأينا جبال القدس، كانت ككل الجبال، خضراء مع بيوت تمتد على سفوحها، لكنها كانت فلسطين، أرض النضال والأحلام، أرض العشق، حيث يختلط الحب بالقضية، ويذوب الوطن في الحبيبة، حيث تحيا لتعشق، وتعشق لتناضل. رأيت فلسطين مرّة ثانية حين امتطيت وغسان كنفاني صواريخ المقاومة التي تنهمر على حيفا، هو كان منهمكاً في كتابة روايته الشهيرة وأنا كنت مذهولاً بكروم الزيتون والليمون. عشت ومشيت على تراب فلسطين حين التقيت تلك الغزّاوية التي لا تفارق الابتسامة ثغرها، 
البريق لا يغيب عن عينيها، لن تستطيع أن تكون حرًّا مثلها...ستقول لك أن غزّة مدينة بشعة، طرقاتها وعرة، وحماس والاحتلال معًا يضيقان على خناقها، لكنها تهديك بطاقة حنظلة يقول فيها: بلادي، بلادي، هل نسيت؟ تذكر... 
على شباك غرفتي الباريسية علقت علم فلسطين. سألني أصدقائي اللبنانيون «لماذا لا تضع علم لبنان؟» فأجبتهم بأنني أخاف من الأرزة. ففي باريس، صعب أن تتخلى عن هويتك الفلسطينية، لأن الكل يجابهك بالسلام وحل الدولتين وحق الإسرائيليين في السلام. إزاء ذلك، لا تستطيع سوى أن تصرخ في ذكرى النكبة: فلتذهب إلى الجحيم أراضي الـ48 وأراضي الـ67 والقدس وحق تقرير المصير، والسلام والدولتين، لن نهدأ، لن نستكين، سنناضل إلى أن يصبح العالم كله فلسطين.


2 comments:

  1. واو واو واو... روعة يا نبيل :)

    في الثالثة من عمري دخلت فلسطين قلبي، حتى صارت كل القلب. وبعدها بسنوات اكتشفت بأن انتمائي ليس لدولتي.

    العلمان الوحيدان اللذين علقتهما أثناء دراستي في أستراليا هما علم فلسطين وعلم سكان أستراليا الأصليين الذين اغتصبت منهم أرضهم بأبشع الطرق.

    كلنا فلسطينيون...نحيا لنعشق، ونعشق لنناضل

    تحية لك.. ودام قلبك وقلمك

    *دلال*

    ReplyDelete
  2. شكرًا يا دلال، لن تتصوري كم يعني لي هذا التعليق! في الثالثة من عمرك دخلت فلسطين قلبك؟ واو نيالك أنا بعدين..الي شفتو قبل ما شوف فلسطين عمر ضايع يحسبوه الزاي عليّ ههه! بس عنجد شكرًا
    الكثير من الناس لا يفهمون عشقنا لفلسطين ولا يفهمون ان فلسطين ليست وطنًا يتألف م حدود وتراب بل فلسطين هي الحرية النضال، العشق، المقاومة والعدالة. منذ زمن بعيد لم تعد فلسطين من النهر الى البحر بل أصبحت من المحيط الهادىء الى المحيط الأطلسي...
    سلام دلال
    "أينما وجد الظلم فذاك هو وطني" شي غيفارا

    ReplyDelete

 
View blog authority Global Voices: The World is Talking, Are You Listening?
دوّن - ملتقى المدونين العرب Globe of Blogs http://rpc.technorati.com/rpc/ping Blog Directory