Free counter and web stats

Tuesday, March 15, 2011

برامج مساعدة الفقراء كي يظلوا فقراء: تشجيع ريادة المشاريع عند النساء نموذجاً

كارول كرباج ونبيل عبدو
السفير، ٢٣ كانون الأول ٢٠١٠

«رانيا امرأة صنعت نفسها بنفسها» يقول الموقع الالكتروني التابع لإحدى المنظمات غير الحكومية الداعمة لريادة المشاريع عند النساء، ثم يقوم بمقارنة وضعها السابق بالحالي، تماماً كإعلان لمنتج لزرع الشعر او إزالة البدانة. فرانيا كانت غير قادرة على دفع أقساط جامعتها من خلال مهنة التطريز التي اكتسبتها من امها، وكانت تمارسها من منزلها، وبعدما استفادت من قرض صغير وبـخدمات تطوير الأعمال التي تقدمها المنظمة ذاتها، استطاعت ان تزيد دخلها وتدفع رسوم الجامعة كاملةً.
هي قصة من بين القصص الناجحة التي تتباهى بها المنظمات الداعمة لريادة المشاريع عند النساء على مواقعها الالكترونية، من دون التحديد (بالأرقام) نسبة نجاح هذه المشاريع المدعومة ومعايير «النجاح» المعتمدة.
بغض النظر عن نجاح هذه الحالة او غيرها، السؤال الأهم هو ما خلفية «تشجيع ريادة المشاريع عند النساء» الذي دخل مصطلحات المنظمات الدولية والمحلية في السنوات الأخيرة؟ في أي إطار يجب تحليل هذه الظاهرة؟ ما المقاربات التي تعمل من خلالها المنظمات الداعمة لمثل هذه المشاريع، وما دوافع الممولين؟
الفقر مشكلة فردية.. وحله ايضاً!
برز الاهتمام بالنساء كمستهدفات في جهود وسياسات التنمية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي مع بداية اقتحام السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، تحديداً عندما تم «اكتشاف» الاقتصاد غير المنظم في العديد من البلدان النامية. توالت المؤتمرات التي تُعنى في تعزيز وضع النساء الفقيرات في الاقتصادات النامية وانطلقت البحوث في هذا المجال، وخلُصَت الى الاستنتاج أن النساء يعانين من عدة معوقات تحول دون انخراطهن في العمل الاقتصادي، لا سيما بما يتعلق في انشاء المشاريع أو الأعمال. واتُفق على حصر هذه المعوقات بصعوبة نفاذهن الى التمويل والقروض؛ النفاذ الى التدريب في ما يخص تطوير الأعمال؛ النفاذ الى السوق والى صانعي السياسات الخ، أي من دون التطرق الى المعوقات البنيويّة المتعلقة بالسياسات الماكرو اقتصادية المهيمنة.
وشاع في أواخر الثمانينات مفهوم «تشجيع ريادة المشاريع عند النساء» من أجل العمل على تخطيهن لهذه المعوقات. وانكبت المنظمات الدولية والجهات المانحة على العمل في البلدان النامية وتدفقت الأموال لتمويل المشاريع التي تستهدف النساء الفقيرات لإنشاء أو تطوير أعمالهن. فتتعبد الطريق للوصول الى بر الرفاهية الاقتصادية عبر ادخالهن جنان النظام النيوليبرالي ووهبهن حرية السوق.
أما في لبنان، فلم تنطبق قاعدة الاستثناء هذه المرة. فبعد انتهاء الحرب الأهلية، عاد نشاط المنظمات الدولية والمحلية، وبطبيعة الحال بدأ العمل مع النساء الفقيرات، وأخذت مشاريع التنمية في التزايد الى يومنا هذا. وعلى غرار البلاد النامية الأخرى، بدأت ظاهرة القروض البالغة الصغر بالتنامي، ومعها أصبح الحل لمسألة الفقر جليًا كعين الشمس: على النساء أن يؤسسن مشاريعهن الخاصة.
وتنامى عمل المنظمات غير الحكومية بهدف التخفيف من وطأة السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، بل تماهى مع هذه السياسات عبر التعويض عن انسحاب الدولة تدريجيًا من مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية. ويتم ذلك عبر تصوير وضع النساء الاقتصادي غير السوي، بالأخص الفقيرات منهن، على أنه نابع من معوقات فردية وبطبيعة الحال يصبح الحل فرديًا هو الآخر. في ظل هذا الواقع، تغيب الرؤية الشاملة (أو الماكرو) عن عمل معظم المنظمات الفاعلة في هذا المضمار، فتغض النظر عن غياب الحماية الاجتماعية للنساء الفقيرات وغياب التقديمات الاجتماعية، ويصبح اذاً مبدأ عمل هذه المنظمات يتلخص بعبارة «كل مين يشيل شوكه بإيدو».
بين «الأعلى» و«الأسفل»، هناك وسط مفقود
ماذا يعني فعلياً ان تشجع منظمات اصحاب الأعمال (او سيدات الأعمال) والمنظمات غير الحكومية ريادة المشاريع عند النساء؟ كيف يتم مقاربة هذا الموضوع؟ ما هي الأدوات التي تستخدم في هذا الإطار، وما المفاهيم التي تنادي بها، وكيف تؤثر على النساء المستهدفات؟
المشهد هو الآتي: منظمات أصحاب الأعمال لا تستهدف سوى الفئات الميسورة اقتصادياً ودون مراعاة الفروقات الجندرية في سياساتها وبرامجها. جمعيات سيدات الأعمال، التي تبرز نشاطاتها غالباً في المجلات الاجتماعية، حيث النساء يتخذن الصوّر في كامل أناقتهن، معظم أعضائها من وسط اجتماعي معيّن، تهتم غالباً بالمشاكل النفسية الخاصة بالنساء سيدات الأعمال، من دون ربط مشاكلهن بالإطار الاقتصادي العام، ما يؤدي الى عزلهن عن الحياة الاقتصادية.
في المقابل، تأتي المنظمات غير الحكومية، لتبشر النساء الفقيرات ان طريق الخلاص هو عبر انشاء مشاريع خاصة، بغض النظر عن ان غالبيتها تكون قليلة الانتاجية وفي القطاع غير المنظم، أي هي مشاريع منكشفة وهشة معرضة عند أي خضة الى الانهيار! حقيقة الأمر ان معظم هذه الجهود تنبع من افتراضات عدة، أبرزها وأخطرها هو تصوير المعوقات التي تواجهها النساء على أنها نابعة بشكل رئيسي من قلة خبرتهن في هذا المجال ولافتقارهن لمقومات شخصية، كانعدام الثقة والجرأة والمهارات التي تؤهلهن للقيام بمشاريع معينة. تبعًا لهذا المنطلق يجري تطوير مؤهلات النساء والعمل على بناء ثقتهن وخصوصًا بما يتعلق بالنساء الريفيات. فتتناسى المنظمات أن النساء ذوات الدخل المحدود يفتقرن لأدنى الضمانات الاجتماعية والصحية وأن قضية الخروج من حلقة الفقر ليست مناطة فقط بالإرادة الشخصية! فستنشئ هذه السيدة صالون تجميل، أخرى ستفتح محل سمانة وأخرى محل خياطة والتعاونيات النسائية ستتخصص في انتاج المواد الغذائية، ويشجع ذلك فورة المؤسسات التي تمنح القروض البالغة الصغر التي تغذي الاقتصاد غير المنظم، على أنه دعامة الاقتصاد اللبناني. فبذلك يتم أسر النساء في قطاع هش لا يستطيع أن يؤمن حياةً لائقة واستقلالاً مادياً.
«أعلى الهرم» لا يأبه بالمقاربة الحقوقية لنشاطه لأنه قادر على الوصول لمبتغاه من خلال الضغط واسترضاء أصحاب القرار بشكل فردي، بهدف تحقيق الأرباح والنمو الاقتصادي. أما «اسفل الهرم»، فيستهدف الاقتصاد غير المنظم لإبقائه على وضعه، من خلال التخفيف من آثاره الكارثية. اذاً يتم مقاربة الموضوع من منطق خيري وخدماتي.
فالمقاربة التي تعتمدها معظم المنظمات غير الحكومية تتمثل باعتبار النساء متلقيات للمساعدة وليست حاملات حقوق، فتعتمد ما يمكن أن نسميه سياسة المسكنات التي تصب في ما قلناه آنفًا عن تماهي عمل المنظمات الداعمة مع السياسات الحكومية. بالتالي تصوّر النساء على أنهن عاجزات ومحتاجات، فيقدم لهن شتى أشكال المساعدة كالتدريب والمنح مع إغفال أنهن صاحبات حقوق لا يعملن على تحقيقها. فبدل العمل على تنظيم النساء أو تشجيعهن على الانضمام الى النقابات أو تشكيل مجموعات ضغط للمطالبة بحقوقهن في الحماية الاجتماعية وبسياسات داعمة لهن تسعى الى إلغاء التمييز الجندري الذي يعانين منه، تسعى المنظمات الداعمة الى العمل على المستوى الفردي بمنطق خدماتي بحت.
على مستوى التحليل الجندري، تتساوى معظم المنظمات الداعمة في أسفل الهرم او أعلاه في اهمال ضرورة العمل على تحقيق المساواة بين الجنسين. فمعظم هذه المبادرات تغفل أن انخراط النساء في ريادة المشاريع يزيد من الأعباء التي تتحملها المرأة، المتمثلة بالمسؤوليات المنزلية وعمل العناية. فنادرًا ما تعمل هذه المنظمات على تشجيع النساء على مفاوضة شركائهن على تقسيم الأعباء المنزلية بشكل منصف، او على كيفية السيطرة على مواردهن المادية. وأيضًا نادرًا ما يتم تشجيع النساء على الانخراط في القطاعات المنتجة التي يهيمن عليها الرجال كالصناعة، بل على العكس يتم تشجيعهن على البقاء والتخصص في القطاعات التي تصنف «نسائية» وغالبًا ما تكون غير منتجة. بالتالي تبقى النساء أسيرات هذه القطاعات التي لا تدر دخلاً مهمًا، مما يساعد على تكريس علاقات القوة التي تحكم الأسر، حيث تبقى السيطرة للرجل وتبقى النساء في قطاعات هامشية لا تساعدهن على المفاوضة داخل الأسرة.
بين أعلى الهرم وأسفله، نلاحظ غياب دعم نساء الطبقة الوسطى أو اللواتي لديهن أعمال واعدة وهن الأكثر احتياجاً وقدرةً على انشاء أو تطوير مؤسسات صغيرة او متوسطة تمتص العمال من القطاع غير المنظم، وتؤمن لهم حماية اجتماعية، او على الأقل، امكانية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية من اجل نيل حقوقهم ومكتسباتهم.
أولويات الممولين
من احدى اشكاليات عمل المنظمات الداعمة لأعمال النساء هي ارتباطها بالمؤسسات المانحة التي غالبًا ما تفرض عليها أجندتها الخاصة. فتعمل المنظمات المحلية على أساس توفّر التمويل. فإذا كان حاليًا التمويل موجه نحو تشجيع ريادة المشاريع عند النساء، فستتجه المنظمات الى هذا المضمار. تشرع طبعاً الى استخدام مفاهيم معينة، كتمكين النساء والاستقلالية، لإرضاء الجهة المانحة. فترى مصطلح «التمكين» ظاهرًا في كل مكان من دون أن يكون للمنظمة تعريف أو فهم واضح للمفهوم. ومن ناحية أخرى، تصر الجهات المانحة على وضع تمويلها للمشاريع في لبنان ضمن اطار الإغاثة في سياق ما بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006 والحرب على نهر البارد عام 2008. فتفرض على الجهات المحلية العمل في مناطق معينة غالبًا ما تكون مكتظة بمشاريع المنظمات غير الحكومية، ويتم اهمال مناطق اخرى تكون فيها الحاجة ملحة. بذلك تتداخل الجهود وتغطي على بعضها بفعل انعدام التنسيق بين المنظمات الفاعلة، فتكون العلاقة بينها ذات طابع عمودي بحت (بين الجهات المانحة والمنظمات المحلية)، فلا نرى جهوداً مشتركة أو تبادل خبرات أو تنسيقاً على مستوى عالٍ بين المنظمات المحلية، بل انها تتنافس فيما بينها على التمويل. فنستنتج أن هناك كماً من المنظمات تتواجد في المناطق نفسها وضمن مشاريع متشابهة فتضيع الجهود وتتكرر الأخطاء وتتسع الثغرات البنيوية في هذا الاطار.
كما نلاحظ ان تدفق الأموال والجهود نحو ظاهرة القروض البالغة الصغر، التي تبناها البنك الدولي ووكالة التنمية الأميركية والاتحاد الأوروبي والمنظمات الأممية، يتم تصويرها على أنها المسحوق السحري للتخلص من الفقر، عبر ادماج الفقراء في النظام المالي بدلاً من اصلاحه. بغض النظر عن ذلك، من أجل تأمين التمويل تركز المنظمات التي تعطي قروضًا بالغة الصغر على بياناتها المالية وعلى نسب تسديد القروض العالية، ناسيةً أو متناسية أن تظهر بيانات عن مدى انتاجية الأعمال التي ساهمت بإنشائها أو نسبة الأعمال التي تصمد أكثر من ثلاث سنوات بعد قيامها. فالقروض البالغة الصغر لا تكترث لإنتاجية الأعمال بل هي لا تشجعها أبدًا، لأنها تعتمد على التسديد السريع للقروض، ما يمنع تطوير المشاريع الإنتاجية التي تتطلب قروضًا طويلة الأمد. فجل ما تسهم به القروض البالغة الصغر هو مساعدة الفقراء على البقاء على شفير الفقر المدقع.
في النهاية، ما تسوق له معظم الجهود الرامية الى تشجيع مشاريع النساء هو الوصول الى مجتمع من رجال وسيدات أعمال يصارعون لاستمرار أعمالهم الهشة ذات الطابع البقائي، أي لا ترقى الى مستوى تأمين معيشة لائقة. وهنا يحق لنا أن نتساءل لماذا هذه المفاهيم ليست سارية في الدول الصناعية والمتقدمة؟ هلى هذه الدول وصلت الى مستوى الرفاه الاقتصادي لأن كل مواطن فيها هو صاحب عمل؟ طبعًا لا، فالقطاع غير المنظم أقل حضورًا في تلك المجتمعات، واقتصاداتها تتميّز بحضور المشاريع المتوسطة والكبيرة التي توظف العمال الذين يتمتعون بحقوق اقتصادية واجتماعية كالضمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور وضمان الشيخوخة، الخ. وتتميز هذه الاقتصادات بالشركات التي يملكها عدة أفراد، وفي التعاونيات الكبيرة وفي قطاعات منتجة ليست تحت رحمة الخدمات.
الواقع في لبنان يختلف كليًا. فبدل العمل على نقل النساء والعمال في شكل عام الى الاقتصاد المنظّم حيث سيتمتعون بالحماية الاجتماعية، تعمل المنظمات غير الحكومية على تعزيز هذا القطاع والمفاخرة به وأسر العاملين به في دوامة فقر وهشاشة وانكشاف تكاد لا تنتهي.
كارول كرباج ونبيل عبدو

Thursday, February 18, 2010

العمّال المصريّون في محطّات الوقود «جيت بلدك على رجلي... إدّيني حقّي»

كارول كرباج


«ناقصني مصري يجي يحكي معي!»، بهذه العبارات ردّ صاحب السيّارة الرباعية الدفع على عامل البنزين، قاذفاً ساعة العيار في وجهه. انتفض الأخير مستغرباً الموقف، محاولاً أن يسيطر على أعصابه ومصدر رزقه. تمتم امتعاضاً وعيناه المثقلتان تعباً تسألان ذلك الرجل: أتعرف حقاً مع من تتكلم؟
هو مصطفى، المواطن المصري الذي سُدّت أمامه سبل العيش، فراوده لسنوات حلم المجيء إلى لبنان والعمل فيه. رحلته بدأت من محافظة المنصورة في مصر، بعدما أقنعه مهرّب مصري بأن يكفل له وصوله إلى الأراضي اللبنانية من طريق السعودية. رحلة دفع ثمنها ذلّاً وخوفاً وكل ما يملك من نقود. كانت ثمارها اعتقالاً في سجن الترحيلات في منطقة «تبوك» السعودية لمدة أكثر من شهر، قضى خلاله مصطفى عيد الأضحى عام 2005 مع 47 عاملاً مصرياً أوقف معهم بعد تخلّي المهرّبين عنهم في منطقة «حقل» على الحدود الأردنية لمدة أسبوع، ناموا خلاله في العراء. عاد مصطفى إلى دياره خالي الوفاض. ركب العبّارة في طقسٍ ممطر وأمواج عاصفة، كان خلالها المركب يتحرك صعوداً ونزولاً، وفيه كان مصطفى يموت ويحيا... ليعود إلى دياره محمّلاً التعب والخيبة.بعد فترة، عاد حلم لبنان ليراوده عقب تشجيع الأقارب العاملين في محطات الوقود، واعدين بدعمه مالياً. قرّر خوض غمار التجربة مجدداً. «لن تكون مضنية ومذلّة أكثر من التي سبقتها، والوضع في مصر لم يعد يُحتمل»، يقول مصطفى. هذه المرة، كان التهريب من طريق سوريا. في شباط 2006، وصل إلى مطار حلب، وكان المهرّب بانتظاره. ركب معه في سيارة ليصل إلى دمشق بعد نحو 12 ساعة. هناك، كانت حياته أشبه بالجحيم، حيث وضع في مخزن تحت الأرض مع نحو أربعين شخصاً، أربعة منهم مصريون، والآخرون سودانيون وعراقيون. أُقفل عليهم لمدة عشرة أيام. كان «يُرمى» لهم من نافذة صغيرة يومياً رغيف وحبّة بطاطا مسلوقة لكل شخص! «المعاملة كانت فعلاً وحشة في سوريا، تبهدلنا أوي»، يستحضر مصطفى معاناته. بعدها، جاء أمر متابعة «الرحلة» لعشرة أشخاص، كان هو من بينهم. وصلوا إلى منطقة الأحراج والغابات في ميني باص وبدأوا السير على الأقدام في ما يشبه الركض من دون توقف لمدة 8 ساعات، من الثامنة مساءً حتى الرابعة فجراً. فالمهرّب لا ينتظر الذين يستسلمون تعباً وإرهاقاً، وإن أدى ذلك إلى سقوطهم أرضاً. يبتسم مصطفى قائلاً: «وصلنا إلى الأراضي اللبنانية» بعد حواجز أمنية فرعية، كان المهربون «يتفاهمون» خلالها مع الأمن، بعدما انتظروا طويلاً دوامات بعض الضباط.ثلاث طلقات نارية في الجو تكفي ليفهم المهرّب البقاعي أنّ «أوّل دفعة» قد وصلت. ركبوا الباص مجدداً وتقدمتهم سيارة مرسيدس لتؤمن لهم الطريق. لكن عند وصوله إلى منطقة الرابية حيث يعمل اليوم، رفض المهرّب أن يعيد له جواز السفر، لابتزازه بدفع 200$، إضافةً إلى المبلغ المتفق عليه وهو 2200$. لم تكن في حوزته، فبقي الجواز مع المهرّب. عمِل مصطفى نحو سنة ونصف لتسديد ديونه... لكنه يختم حديثه بنبرة متفائلة، إن تسعيرة التهريب وصلت اليوم إلى نحو 4000$.
السيّد والعبد والأمن العام
في لبنان 40 ألف عامل مصري تقريباً، نحو 22 ألفاً منهم يعملون بطريقة شرعية، والباقون ما زالوا يعملون في «السوق السوداء». الأغلبية الساحقة منهم تعمل في محطات الوقود، وفق ما أكّد لنا محمد شيحا، المستشار العمالي في السفارة المصرية في بيروت (بينما أرقام وزارة العمل اللبنانية لعام 2009 تُشير إلى أنّ 17 ألف عامل مصري لديهم إجازة عمل وإقامة). يخضعون لنظام الكفيل كغيرهم من الفئات العمالية المهمّشة، بعضهم يعمل بالفعل عند كفيله في محطات الوقود أو غيرها، وبعضهم الآخر «يستأجر» كفيلاً لبنانياً، وفق ما أكده شيحا، مشبّهاً نظام الكفيل بصاحب عمل يجرّ عاملاً نحيفاً وقصير القامة، بجنزير في العنق. التشبيه كاريكاتوري بلا شك، لكنّه يعبّر عن علاقة العبودية التي يمكن أن تنتج من نظام الكفيل، حيث إن إقامة العامل ليست مرتبطة بإجازة العمل وحسب، بل أيضاً بمزاج صاحب العمل!وهنا تكثر قصص المعاناة. يوجد 180 سجيناً مصرياً في سجن رومية، و52 في سجن نظارة الأمن العام، معظمهم متّهمون بـ«الدخول خلسة» أو بـ«الفرار والسرقة»، وفق رأفت إسماعيل الملحق العمالي في السفارة المصرية في بيروت. عند توقيع عقد العمل عند الكاتب العدل، معظم أصحاب العمل يحتجزون جوازات السفر وإجازات العمل بحجة أن العامل أصبح تحت مسؤوليتهم. في إطار هذا المزج بين شروط الإقامة وشروط العمل، تتداخل الأمور لمصلحة الحلقة الأقوى، صاحب العمل. فعند حدوث أي خلاف في العمل، لا يرفع إلى المحاكم المختصة، بل يكتفي صاحب العمل باتهام مستخدمه بـ«الفرار» والسرقة ليرفع عنه المسؤولية، ولو جزئياً. وإذا كان العامل غير شرعي، يُبلغ الأمن العام بدخوله خلسةً، وفق إسماعيل. وهاتان التهمتان، «فرار» و«سرقة» غالباً ما تأتيان معاً، لأن «الفرار» غير كافٍ لفتح قضية جزائية، وفق المحامية مارغو خطار المتابعة لملفات العمال المصريين. وتتابع خطار قائلة: «لأن نظام الكفيل نفسه يفرض على صاحب العمل تكاليف الترحيل (دفع غرامة في الأمن العام، براءة ذمة من وزارة العمل، شراء تأشيرة وسوى ذلك)، يتجه بعض أصحاب العمل الى إلقاء هذه التهم على عمالهم ليرفعوا عن كاهلهم مسؤولية دفع هذه التكاليف».والسجن عالم آخر. التهمة التي يمتد حكمها لبضعة أشهر، يقضيها المتهم لسنة أو أكثر. وملفات المصريين، كغيرهم من العمالة «الرخيصة»، عديدة في هذا الصدد. إذا لم يكن المتهم على صلة بشخص يُلاحق أوضاعه ويدفع أتعاب المحامي وباقي التكاليف، يبقى في السجن فترة غير محددة بعد انتهاء حكمه. في هذا الإطار، حدّثنا شيحا عن «حالات عديدة من المصريين (كغيرهم) تُؤمن تذكرة سفرهم وتُنجز كل أوراقهم، ينتظرون شهراً أو شهرين «تحت الجسر»!
كاريكاتير: فرح نعمة
ورقة اليمين: قوانين متعلقة بالحجز التعسفي
ورقة اليسار: قوانين لحماية العمال من مخاطر البنزين
ظروف العمل؟

«ظروف العمل؟»، يجيب مصطفى باستغراب عند سؤاله عن ظروف عمله، وكأنها المرة الأولى التي يسمع بهذه العبارة. في الواقع، البطالة وظروف العيش القاسية تدفع بالعديد من المصريين إلى الهجرة للعمل في لبنان من دون شروط تتعلّق بحقوقهم في العمل. الطلب على العمال المصريين في لبنان هو في القطاع غير المنظّم، أي الاستخدام الذي يحرم العمال حقوقهم في العمل، قانونياً أو عملياً.معظم العمّال هم من حملة الشهادات المتوسطة، يعتمدون على شبكة العلاقات العائلية التي تدعمهم مادياً وتسهّل عليهم الوصول خلسةً إلى لبنان، إذ ليس هناك أي طريقة «شرعية» لدخول العامل المصري للعمل في لبنان. والأمن العام يفتح باب تسوية الأوراق أوّل كل سنة، لكن بدفع ضريبة الدخول خلسة وهي 950 ألف ليرة.هكذا فعل مصطفى والكثير من العمال المصريين. بعد نحو سنة من العمل «سخرة». لتسديد مبلغ التهريب، يدّخر مصطفى شهرياً ما يبقى من معاشه المتواضع الذي يصل إلى 300 ألف ل.ل. المبلغ ما دون الحدّ الأدنى للأجور، لكن الاعتراض غير ممكن بسبب وضعه غير القانوني. إلا أن ظروف العمل القاسية لا تقع فقط على العاملين دون إجازات عمل. فمحمود، العامل الأربعيني في إحدى محطات الوقود في منطقة أنطلياس، قد وقّع على عقد عمل براتب 500 ألف ل.ل. إلا أنه فعلياً لا يحصل إلا على 350 ألف ل.ل. بينما مسعد، العامل في محطة وقود في منظقة كورنيش النهر، بدا مفتخراً بأن معاشه أصبح 700 ألف ل.ل. بعد 13 سنة من العمل، نتيجة علاقة الثقة التي تربطه بصاحب العمل. إلا أن دوامه لا يختلف عن باقي العمّال، 12 ساعة متواصلة (من دون ساعة راحة) تصل أحياناً إلى 16 ساعة يومياً، 6 أيام في الأسبوع والأحد «نص نهار»، أي ثماني ساعات! (ما يعني 80 ساعة في الأسبوع حدّاً أدنى). أما أيمن الذي يعمل رسمياً 10 ساعات يومياً، فغالباً ما «يقترح» عليه صاحب العمل البقاء ساعتين إضافيتين مقابل 2000 ل.ل. على غسل كل سيارة.تلك الظروف تتناقض مع القرار الرقم 163/1 الصادر عام 1967 بشأن «تحديد ساعات العمل في محطات المحروقات» بـ«54 ساعة للأجراء العاملين نهاراً و60 ساعة للأجراء العاملين ليلاً» (بينما المادّة 4 من اتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 1 بشأن ساعات العمل، التي صدّق عليها لبنان عام 1977، تحدّد الحد الأقصى لساعات العمل بـ56 ساعة في الأسبوع).ظروف السلامة والصحة المهنية للعمال ليست أفضل حالاً. تقول زوجة محمود إنها عندما ترى عينيه حمراوين منتفختين، تعرف مباشرةً أنه قد عمل على تفريغ الوقود من الصهريج. نسأله إذا كان يستخدم وسائل وقائية كفيلة بعدم تسرّب أبخرة البنزين إلى مكان العمل وعدم امتصاص البنزين من خلال الجلد، يبتسم مجيباً بسخرية: «إحنا تعوّدنا».صدّق لبنان على اتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 136 بشأن الوقاية من مخاطر التسمّم الناجم عن البنزين عام 2000. وبالاستناد إلى بنود هذه الاتفاقية، صدر مرسوم رقم 11802 الذي يتعلق بـ«تنظيم الوقاية والسلامة والصحة المهنية»، ويتطرق في الفصل الرابع إلى «مخاطر العمل في البنزين»، وجاء في المادة الـ53 منه: عدم تسرّب أبخرة البنزين في مواقع العمل؛ استخدام وسائل كافية للوقاية الشخصية من مخاطر امتصاص البنزين من خلال الجلد أو استنشاقه، وسوى ذلك من التدابير الوقائية. تدابير، الواضح أن لا أحد على علم بها سوى المشرّع نفسه. فعندما اتصلنا بنقيب أصحاب محطات الوقود سامي براكس، بدا مستغرباً من وجود قانون كهذا. أما عند سؤاله عن التدابير الوقائية التي يتخذها أصحاب محطات الوقود في لبنان لحماية عمّالهم، فكان الجواب: «هذا خارج اختصاصي»، منهياً المكالمة. في هذا السياق، طالبت «لجنة الخبراء لتطبيق الاتفاقيات والتوصيات» في منظمة العمل الدولية الحكومة اللبنانية، في تقريرها عام 2007، «ببيان التدابير التي اعتمدت لكفالة حصول العمال المعرّضين للبنزين على تعليمات مناسبة عن تدابير حماية الصحة ومنع الحوادث».
إشكاليّة الضمان الاجتماعي
عندما جاء مسعد إلى لبنان، مشياً على الأقدام من سوريا بظروف قاسية ومرعبة، لم يكن مستعداً للتنازل عن الحد الأدنى من حقوقه في العمل. بدا واثقاً من عمله ورفض أن يدفع تكاليف إجازة العمل، الإقامة، عقد العمل، تأمين في بنك الإسكان واشتراك في شركة تأمين... التي يجب على صاحب العمل أن يدفعها كاملةً. عملياً، معظم العمّال المصريين يضطرون إلى دفع هذه التكاليف نتيجة شروط سوق العمل. حتى الكفالة المصرفية (هي مليون و500 ألف ل.ل.) يدفعها العامل تحت اسم كفيله، أما استرجاعها، فمرتبط فقط بضمير صاحب العمل وأخلاقه! عندما اضطرّ أيمن إلى تغيير عمله، وبالتالي كفيله، نصحه صاحب العمل بأن «ينسى» موضوع الكفالة المصرفية ليجبر على دفعها مرة أخرى عند كفيله الثاني من دون أي ضمانات.حصلت احتجاجات منذ عامين عند السفارة المصرية في بيروت اعتراضاً على التكاليف الباهظة التي تقع على عاتق العامل، وتحديداً الاحتجاج على مذكرة وزير العمل السابق محمد فنيش التي تقضي بتطبيق المادة 9 (الفقرتان3 و4) من قانون الضمان الاجتماعي التي تلزم أصحاب العمل بتسجيل العمال الأجانب في الضمان دون الاستفادة منه (في الواقع، فهم العمال أن اشتراكات الضمان ـــــ 15% من الحد الأدنى للأجور الذي غالباً لا يحصلون عليه ـــــ ستقتطع من معاشهم الشهري). ونتيجة اعتراض وتفاوض، وقّعت وزارة العمل في لبنان ووزارة القوى العاملة والهجرة في مصر اتفاقية ثنائية بتاريخ 30/10/2008 بشأن تنظيم العمالة في كلا البلدين، جاء في المادة الثانية منها: «مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة إلى رسوم تراخيص العمل والإقامة والتأمينات الاجتماعية (...) مع الإعفاء المتبادل لعمال كلا البلدين من الاشتراك في التأمينات الاجتماعية».الخبير الدولي في موضوع هجرة اليد العاملة في منظمة العمل الدولية إبراهيم عوض أكّد لنا أن «الاتفاقية الثنائية تُعدّ انتهاكاً للاتفاقية 111 المذكورة آنفاً، فإعفاء المصريين من الاشتراك في الضمان الاجتماعي يحرمهم حقهم في الحماية الاجتماعية، ويدفع صاحب العمل إلى تفضيل العامل الأجنبي على الوطني لأن استخدامه أقل كلفة».البديل؟ كما هو رائج في ظل السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، التأمين الخاص. في القرار الرقم 52/1 الصادر عن وزارة العمل في لبنان، المتعلق ببوليصة التأمين على الأجراء الأجانب، الساري المفعول منذ سنة 2009، تحدّد المادة 1 أن «تتعهد شركة التأمين بتحمل نفقات نقل الجثمان (...) بمبلغ لا يقلّ عن 12 مليون ل.ل.؛ كذلك «تتعهد شركة التأمين بأن تدفع نفقات استشفاء من جراء حادث أثناء العمل أو خارجه (...) في السنة مبلغاً لا يقل عن 35 مليون ل.ل.».في الواقع، حدثتنا المحامية خطار عن حالات عديدة ترفض فيها شركة التأمين تغطية المريض. لكن حتى نفقات نقل الجثمان لا يلتزم بها العديد من شركات التأمين، تُضيف المحامية. في هذا السياق، أخبرنا أيمن عن صديقه رضا الذي كان يعمل في مغسل سيارات في منطقة الكرنتينا، وقع من درج شديد الانحدار يربط المسكن بالمحطة وتوفي على الفور. رفضت شركة التأمين أن تتحمّل مسؤولية نقل الجثمان إلى مصر. صاحب العمل تبرّأ من الموضوع، فعمد أقرباؤه وأصدقاؤه إلى جمع ما توافر من مال لنقله إلى بلده.
العمل النقابي
«يجوز للأجانب أن ينتسبوا إلى النقابة (...) إذا كان مصرّحاً لهم بالعمل، إلا أنه لا يحقّ للأعضاء الأجانب أن يَنتخبوا أو يُنتخبوا، لكن يحق لهم أن ينتدبوا أحدهم لكي يمثلهم ويدافع عنهم لدى مجلس النقابة»، المادة الـ92 من قانون العمل. يستند رئيس نقابة عمّال توزيع المحروقات في لبنان سليمان حمدان إلى هذه المادة عند سؤاله عن إمكان انضمام العمال الأجانب إلى النقابة، فيسارع إلى تحديد موقفه المؤيد لانضمام العمّال الأجانب، ولو عبر لجنة تنقل معاناتهم بهدف الضغط والتفاوض الجماعي. لكنه لا يلبث أن يُهدّئ نبرته عند السؤال عن عدد العمّال، لبنانيين وأجانب، الذين انضمّوا إلى النقابة. فيجيب بأنّ عدد العمال المنضمّين إلى
في لبنان نحو 40 ألف عامل مصري، 22 ألفاً منهم تقريباً يعملون بطريقة شرعية.
إقامة العامل ليست مرتبطة بإجازة العمل وحسب، بل أيضاً بمزاج صاحب العمل
النقابة «1400 عامل لبناني، معظمهم يعملون في شركات الغاز، انضمّ 15 عاملاً مصرياً منذ فترة، لكن عندما طلبت منهم تأليف لجنة لتمثيلهم ولم يفعلوا، شكرتهم وألغيتُ عضويتهم»، مبرّراً انعدام مشاركة الأجانب بأزمة نقابات في لبنان.في المبدأ، القانون الذي حرص النقيب على تطبيقه يميّز بين العمّال اللبنانيين والأجانب ويتعارض مع إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل عام 1998 الذي يلزم جميع الدول الأعضاء، حتى وإن لم تكن طرفاً في الاتفاقيات ذات الصلة (من بينها اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم الرقم 87 التي لم يصدّق عليها لبنان)، باحترام المبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية في العمل، ومن بينها حق العمّال «من دون أي نوع من أنواع التمييز» بتأسيس نقابات للدفاع عن مصالحهم والانضمام اليها. أما في الواقع، فجميع العمّال الذين التقيناهم في المحطات لم يعلموا بوجود هذه النقابة. مسعد طلب أن أكتب له اسمها على ورقة. أما أيمن فأكّد أنه لا يثق بها لمجرد أنه يعمل في لبنان منذ 10 سنوات ولم يسمع عنها على الإطلاق، بالإضافة إلى أنه يشعر بعد دوامه الطويل وعمله المتعب بأنه بحاجة فقط إلى الطعام والنوم.هي حال العمّال المصريين في المحطات. أيديهم أنهكتها ظروف العمل القاسية، عيونهم تستر الكثير من القصص والذكريات المؤلمة والمرعبة أحياناً. تراهم ينتظرون رنّة هاتف من ذويهم في مصر لتبرق عيونهم فرحاً. حالهم نموذج عن أوضاع العمال المهاجرين في لبنان والعالم... هم الشاهد الأكبر على تراجع حقوق العمال ومكتسباتهم نتيجة غياب الحركات النقابية.
هكذا كان بيت وهكذا أصبحت حياة
أم لثلاثة أطفال، أعمارهم من خمس سنوات إلى سبع. أطفال ضاق بهم المكان، فتسمعهم يبكون ويتشاجرون، وهي تحدثني عن تجاربها في لبنان كزوجة عامل محطة بنزين. تقول سريعاً إن الأمر يحتاج الى ملعقة سكر صغيرة وسينتهي الأمر. هنا لا نقدّم للطفل «نوتالا» أو «نسكويك»، تكفي ملعقة سكر لتسكّت رغبتهم في الحلوى. تحدثك وشعرها يسيح على وجهها وبسمتها المنبعثة، كأن الكلام الذي تسمعه لا يصدر عن هذه المرأة. «قهوة مصرية أم لبنانية؟»، تسألني وهي تروي كيف جاءت الى لبنان للمرة الثانية عام 2008 تهريباً عبر سوريا، برفقة ثلاثة أولاد وخمس حقائب سفر. تشرح عن صعوبة الحياة في ظل تفكك العائلة والخوف من تربية الأولاد دون التعرّف الى والدهم. لكنّ تأشيرة الدخول «سياحة» من السفارة اللبنانية في مصر كانت مستحيلة لأنها على اللائحة السوداء بعد أن كسرت تأشيرتها لعشرة أشهر في الزيارة الأولى. أما الدخول عبر المطار مع ألفَيْ دولار، فغير وارد لأنها تُهدّد بذلك زوجها بفقدان العمل والترحيل الى مصر، إن كسرت تأشيرتها.زوجة العامل فئة ثالثة ممنوعة من الدخول الى لبنان من قبل الأمن العام اللبناني والأمن المصري معاً. لكنها قرّرت المجيء. في مطار القاهرة، معها أولادها الثلاثة، تذاكر سفر والكثير من الحقائب. وكانت المأساة الأولى في هذا المطار عندما رفض الضابط المصري السماح لها بدخول المطار دون إذن دخول من «مجمع التحرير» في مصر. حاولت أن تستثير عواطفه متذرعةً بأن زوجها قد تعرّض لحادث وحالته شديدة الخطورة في سوريا وتريد أن يرى أطفاله قبل أن يفارق الحياة. ردّ الظابط بحزم وبرودة أعصاب. وبعدما أحدثت «ضجيجاً» ووصل طابور المسافرين وراءها الى مدخل المطار، حوّلها عند ضابط آخر ختم لها جواز السفر لتتجه الى مطار دمشق. انتظرها المهرّب ليستقلّوا باصاً عمومياً الى منطقة حدودية. ركبوا دراجتين ناريتين، طفلتها معها وعلى الدراجة الثانية طفلان.ترتشف قهوتها واصفةً هذا اليوم بالمروّع! كان ذلك أثناء أحداث نهر البارد، وكانت الحواجز كثيفة. وعند كل حاجز، كانت تضغط على أنامل صغارها كي يلتزموا الصمت، خشية اكتشاف هوياتهم المصرية.أما المكان الذي تحكي منه قصتها، فله قصته أيضاً. هو بيت من غرفة واحدة. حاولت وزوجها توسيعه الى غرفتين بإضافة ستارة تفصل غرفة الأولاد عن غرفة الزوجين. تبتسم مؤكدةً «أنا وزوجي عمّرناه»! فـ«براتب 350 ألف ليرة، أي منزل يمكن أن تستأجري؟»، تسأل. الشعور بلمّ شمل العائلة سعادة لا توصف بالنسبة إليها، لكن بعدها «راحت السكرة وإجت الفكرة». كان لصاحب المحطة غرفة خالية شاهدة على الحرب الأهلية، فاقترحوا عليه إعادة إعمارها على نفقتهم الخاصة مقابل أن يسكنوا فيها دون إيجار. تشرح لي بحماسة كيف طرشت المنزل ووصلت الكهرباء بمساعدة زوجها وأصدقائه... أما الفرش، فقدمته جارة لبنانية كانت تستبدل فرش منزلها. وهكذا كان بيت من لا شيء.

الأخبار عدد الخميس ١٨ شباط ٢٠١٠

كلام الليل

يتحسس جيب بنطلونه كالضحية التي تتحسس أعضائها بعد نجاتها من قذيفة كادت أن تودي بحياتها، يضع يده على علبة سجائر فيخرج منها لفافة ليحاصرها بشفتيه فيضرم فيها النار. كانت هذه عادة يفتعلها في كل مساء تمامًا بعد آذان العشاء، في ذلك المساء كانت معه تشاركه عادته التي قد تكون غريبة فبعد كل مجّة يتنفسها يخرج دخانًا يداعب وجنتيها الحمراوتين، يغمزها لا إراديًّا نتيجة الرماد الذي يتطاير أمام عينيه، فيخيل اليه أنه نبيّ ينطنط بخفة على غيوم جنان تفاصيلها...كان يحب الليل لأنه يستطيع أن يفتعل غيومًا أوضح بسيجارته فيرى تلك المرأة عبر هذه السحاب ويلامسها، فيصبح دخان سيجارته فوهًا ثانيًا يتجرّأ عبره لثم شفتيها..كانوا يشكلّون مشهدًا جميلاً: هو، هي، الليل والسيجارة. هو وسيجارته يتّحدان في الإحتضار، فعند كل نفس يقترب كل منهما الى موته، موت لا مناص منه كما في التراجيديا الإغريقية. هي، جالسة بقربه تحاول فقه ما تفكر فيه مقلتيه، ترسم بسمة إغواء عن غير قصد، تذبل عينيها باحتيال كوردة متكابرة ترفض الماء. أمّا الليل فكان هناك متربصًّا يدغدغهما لإفتعال أحاديث مصطنعة تمهيدًا لما يلي... فالليل ليس حياديًا كالنهار بل يخلي الشوارع والحارات من البشر إلا من البعض الذين يختارهم بعناية فائقة فيعيشون لحظات خلود أو موت مضني. الليل يقتحم النهار، يهزمه ويحكم عليه بالسكينة، والهدوء القاتل ليجبر أنبياؤه المختارين الى ملءه بأحاديث، قصائد، شجارات، مداعبات، نزهات وتأملات..
فهما كانا نبيّان: هو نبيّ يعرف أنه سيسير على درب الجلجلة ربما لهذا الأمر كان يدخن سيجارته ليلاً كالمحكوم بالإعدام يترقب موته المعلن. هي نبيّة لم تدرك بعد أن الليل اختارها لتضحي به، لا تعرف بعد (ولا هو) أن ضفائر شعرها التي انسدلت على رقبته حين اتكأت برأسها على كتفه ستكون حبال مشنقته. كان يعلم أنه في تلك الليلة سيحتضر: ستقتله لتعيد خلقه من رحم عينيها أم سيموت بانصبابه سرابًا يحوم حول كيانها كدخان سيختفي جرّاء تلويحة يد. "بماذا تفكرين؟" سألها بسذاجة، "لا شيء..أصغي الى صمت الليل...وأسأل نفسي كم سيجارة أحتاج لألفظ أنفاسي الأخيرة... وأنت؟" " لم أتخيلك سوداوية التفكير... " ابتسم وغرس أصابعه بشعرها المشاكس محاولاً فكّ عقده التي كانت تدغدغ أنفه فيتسائل إذا كان طعم شفتيها يوازي شذا ضفائرها الخوخية. كان يروق لها أن تنام على وسادة كتفه، فتستطيع أذنها سماع تخبط صدره المثقّل بالسجائر. كانت تستشعر شغفه الخجول حين تتقطع أنفاسه كلما دنت منه فتشعر بكبرياء خفيّ ممزوج بانزعاج ناتج عن تردده الأزلي: أمضى حياته يعيش المابين بين، بين الوهم والواقع، الحقيقة والحلم. ما احترف يومًا تمييز الخطوط والحدود التي تفصل تلك الأشياء عن بعضها فوهمه واقعه وحلمه حقيقته فيرى ما يريد. ينظر اليها كاستعارة جميلة، قصيدة يتغنى بها دون أن يعيشها: لم تكن امرأة كغيرها بل قاتلة خلابة يعلن عبرها شهادته كاتبًا قصيدته الأجمل، ضفائرها كانت شلال خوخ يتدفق على صخور كتفه الرتيب، مقلتيها بلبلين يغردان تعويذة هوى، ووجنتيها رغيفين يحاول انتشال منهما فُتاتًا علّه يغوي بلبلا عينيها، كان يتصور أن نهديها هما ثمار هواية الله في صنع الفخار بعد أن أحال نفسه الى التقاعد فداعب تلك المادّة اللزجة في صباح ما ليصنع ثديين كاملين.
كان شاردًا في عالمه، تائهًا في دهاليز استعاراته، انتهت علبة السجائر وكان رأسها المتكي عليه يمنعه من رؤية عينيها، كان يريد لهذا الليل أن يكون موعد موته المعلن الذي لطالما انتظره، لكنه ماطل كالفدائي الفتى الذي يهرب من المواجهة عند ساعة الصفر بعد أن جاهر طويلاً برغبته في القتال. لكنه كان يعرف أنها ليست حربًا يخوضها بل محاولة يائسة لتمديد المهل.."أحبك" قالها أخيرًا، حافية، يتيمية، وحيدة بمعزل عن أية استعارة. خفقات قلبه تسارعت بشكل جنوني، نسي كيف يتنفس كأن الشهيق والزفير كفّا عن أن يكونان أنشطة بدنية طبيعية، كان ينتظر ردة فعل، فكانت لحظات الصمت الغريب تربك أعضاءه المستقيلة عن أي وظيفة، شعر باقتراب موته: لم يتخيل أبدًا أنه موت بيولوجي فلاطالما أخذه على محمل الاستعارة، فإذا به موت فعلي. أما هي فمازالت هناك بدون حراك رامية رأسها على كتفه، رموشها متحدة باسفل مقلتيها، جهازها التنفسي يحترف الشهيق والزفير كعازف ايقاع متمرّس، شفتاها مطبقتين، لم تردّ عليه فكانت غارقة في نوم عميق. عرف ذلك فشعر بالطمأنينة والسكينة في تأملها نائمة. حرّكت رأسها لتستريح على كتفه متمتمتًا كلمات غير مفهومة، بحركة لا إرادية فركت أنفها ولوحت بيدها كأنها تحاول إبعاد بعوضة أو سراب...حينها أدرك أنها نفذّت موته المعلن.


نبيل عبدو 12 تشرين الثاني 2009

Thursday, February 4, 2010

برنامج النشاطات الخاصة بحملة فلسطين حرّة:



  • الاثنين ٨ شباط ٢٠١٠، الساعة ٦ مساءً (مخيم صبرا وشاتيلا - بيروت): ندوة حول الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني في لبنان، مع الاستاذ جابر سليمان، قاعة الشعب، مخيم صبرا وشاتيلا

  • الاثنين ٨ شباط ٢٠١٠، الساعة ٥ مساءً (طرابلس): عرض فيلم "ان تطلق النار على فيل"، فيلم وثائقي عن حصار غزة
    المكان: قاعة القصر البلدي الثقافي (نوفل)، طرابلس

  • الثلثاء ٩ شباط ٢٠١٠، الساعة ٥ مساءً (مخيم البداوي - شمال لبنان): عرض فيلم "ان تطلق النار على فيل"، فيلم وثائقي عن حصار غزة
    المكان: قاعة القدس، مخيم البدواي

  • الاربعاء ١٠ شباط ٢٠١٠، الساعة ٥:٣٠ مساءً (الحمرا - بيروت): اعتصام لشباب ضد التطبيع امام مقهى ستاربكس - الحمرا (ضمن سلسلة نشاطات الداعية الى مقاطعة البضائع الاسرائيلية)

  • السبت ١٣ شباط ٢٠١٠، الساعة ١١ صباحاً (بيروت): الانطلاق في مظاهرة من امام مقبرة الشهداء في شاتيلا وصولاً الى السفارة المصرية في بئر حسن (رفضاً للجدار ورفضاً لعمالة الانظمة العربية ومن اجل فكّ الحصار عن غزّة)
ندعوكم الى ايصال هذه الدعوة الى الجميع، وندعوكم الى المشاركة في النشاطات وخاصة المظاهرة التي سوف تتم يوم السبت ١٣ شباط ٢٠١٠

Tuesday, February 2, 2010

شاركوا معنا! | لا للحصار | لفلسطين الحرية




تدعوكم حملة فلسطين حرة الى التظاهر يوم السبت ١٣ شباط ٢٠١٠ احتجاجاً على قرار السلطة المصرية في بناء الجدار الفولاذي على الحدود مع غزة.
الزمان: السبت ١٣ شباط ٢٠١٠، الساعة: ١١.٠٠ صباحاً
التجمع: امام مقبرة الشهداء في مخيم شاتيلا

والانطلاق بعدها كمسيرة الى السفارة المصرية

ندعو الجميع الى الحضور والى ابقاء الصوت عالياً لسحب الشرعية من النظام المصري في قراره في بناء الجدار
تضامناً مع فلسطين
من اجل كسر الحصار عن غزة


بيان الحملة:

أكثر من عام مرّ على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وعدة سنوات مرّت على بداية "الحرب على الارهاب"، وأكثر من ستين عاماً مرّت على الاحتلال الصهيوني لفلسطين.أجيال نشأت، وأخرى اندثرت وفلسطين لا زالت تقاوم، لا زالت أبية أمام الاحتلال، لا زالت هنا، لا زالت في كل قلب وقلم أينما وجدا.

اليوم نقف بجانب إخوتنا وأخواتنا، رفاقنا ورفيقاتنا، في فلسطين وفي العالم أجمع، نقف لنعلن انتسابنا إلى ثورة علّمتنا جميعاً كيف نقرأ وكيف نتكاتف، علمتنا كيف نضحك ونحزن، ولكن قبل كل شيء، علّمتنا أن التاريخ تصنعه أيدينا، تصنعه إرادتنا في الحياة، وأن التاريخ هو ملك لمن يقاوم ويثور، ملك لمن امتلك الإرادة ليصنعه.

اليوم نذكّر أن الأقنعة جميعها سقطت، وأن أنظمتنا لن تكون أبداً إلى جانبنا، لن تكون أبداً من يفتح الأبواب ويحطم الجدران، لن تكون أبداً من يعلن المعركة، ولن ترفع أبداً راية الانتصار.

فبينما يجاهر نظام مبارك بالحصار ويهدد بقطع أيدي وأرجل المقاومين، يدمّر نظام الطوائف في لبنان مخيم نهر البارد، ويستكمل الحصار من خلال حجب الحقوق المدنية والإنسانية عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والمجتمع الدولي يصفق! ويتلطى نظام الأسد في سوريا خلف الكلمات الفارغة ويصمت عن الحصار، وتضع أنظمة الخليج بندقيتها إلى جانب بندقية الاحتلال الأميركي في العراق، ويعلن النظام الأردني ولاءه لإسرائيل أولاً، ومحمود عباس يصفق!

لقد حان الوقت لأن يصمتوا ونبدأ نحن بالكلام؛ لقد حان الوقت لأن نفترش الشوارع والطرقات والأحياء؛ لقد حان الوقت لأن تهابنا السفارات وخلايا المخابرات؛ لقد حان الوقت لأن نبدأ بعبور الحدود وتخطي اللهجات، فما يجمعنا هو الأمل، والحرية وإرادة الانتصار، وما يفرقنا ليس سوى أختام الشرطة على جوازات السفر.

اليوم يقف نظام مبارك على رأس الحربة، ينفذ مطيعاً أوامر الإمبريالية الأميركية والاحتلال الإسرائيلي؛ فيضرب بيدٍ العمال والفقراء المصريين، ويضرب بأخرى المقاومين الفلسطينيين. سوف يصنع سقوط مبارك في مصر 80 مليون مقاوم، و80 مليون حلم بالحرية والانتصار، سوف يبثّ الرعب في نفوس الأنظمة العربية، وسوف يدفع بضباط الشرطة إلى مخابئهم خوفاً من أن توجّه بنادق عساكرهم إلى رؤوسهم.

ولكن هذا لن يتم في ساعات وأيام معدودة، بل من خلال ثورة دائمة، تدق الأجراس يومياً، على أبواب السفارات والقنصليات وأمام مراكز الشرطة والوزارات حتى يسمع النداء كل امرأة وطفل ورجل، حتى نخرج جميعاً من سجوننا اليومية من أمام شاشات التلفاز وأنين الراديو، فالأخبار تصنع في الشوارع، من خلال النضال المستمر، من خلال الأصوات التي لا تهدأ والكلمات التي تضيء شعلة لا تنطفئ.

حرية فلسطين هي حريتنا جميعاً، وتحرير فلسطين يبدأ من القاهرة وبيروت، من الدار البيضاء حتى الرباط، من بغداد إلى طهران. حرية فلسطين تبدأ عندما تتساقط أنظمة الديكتاتوريات العربية تحت أقدام المتظاهرين وعلى وقع المسيرات الجماهيرية، عندما تتنفس القدس هواء المحيط والخليج.

لذا ننادي اليوم وغداً الشعوب العربية وشعوب العالم أجمع، وننادي خاصة أخواننا ورفاقنا في مصر. فلنبدأ بالانتفاضة، من أجل كسر الحصار، من أجل أن تكون الحدود معبراً يومياً للسلاح والطعام، من أجل تحقيق الحقوق المدنية والانسانية للفلسطينيين في لبنان والعالم، من أجل قطع جميع العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية مع الكيان الصهيويني، من أجل أن نحاصر حصارنا، لتتحول جدران السجون، سجوناً لسجانينا.

فلتسقط هذه الأنظمة العفنة، قلتسقط الهزيمة، فليسقط العار والجدار، فلسطين حرّة، فلسطين هي نحن، ونحن لفلسطين.

الحرية لغزة، الحرية لفلسطين



For more information go to Falastine Horra


Monday, January 25, 2010

عسكر على مين...على فلسطين (تحيّة إلى العسكر الوطني)

Parts of this post was published in Al-Akhbar newspaper on January 26th 2010.

عسكر على مين؟ على شعبك يا عسكر.. على طلابك يا عسكر... على من ليس لديه زعيم طائفة يحميه... على من ليس لديه قناصين ولا مليشياويين ولا قنابل يدويّة، على من لم يسلب منه صوته ولا كرامته، على من يلوح بعلم فلسطين ويصرخ بكل ما أوتي له من قوة: الحريّة لغزة، الحرية لفلسطين...
مرّة أخرى تظهر لنا القوى الأمنية والجيش وكل أدواة النظام القمعية أنها هنا لنحصن الوطن وتحميه من أكبر خطر يتهدده: اللاجئين الفلسطينيين العزل في نهر البارد والطلاب الذين يعتصمون ضد جدار العار والقتل الذي يبنيه النظام المصري. نعم، هذا هو الجيش الذي نريده والذي تتغنّى به كل الطبقة السياسية والناس يرمون عليه الرز لأنه أعاد هيبته وهيبة الوطن عبر الضرب والإعتداء على المعتصمين أمام السفارة المصرية دعمًا لغزة وفلسطين. نهتف لهم: "شيل بدلتك يا عسكر، خيّك معنا يا عسكر" فيردون بهرواتهم على ظهورنا وبرشاشاتهم على رؤوسنا، وبجزماتهم على بطوننا. فهلللوا لعسكرنا الوطني الباسل، ذلك العسكر الذي سيحارب اسرائيل، الذي ظنّ أن الجبهة التي خلقها ضد المعتصمين هي نفسها جبهة مارون الراس.
كانوا هناك، رجال المخابرات اللبنانية بنظاراتهم الشمسية وكاميراتهم تأخذ صورنا ليضمّوها الى عارهم: مجموعة صور المناضلين الذين اعتدوا عليهم من قبل. أما قوى الأمن المدرّعة بحقدها لفئات المجتمع غير المحميين كالعمال الأجانب، الفلسطينيين والطلاب، كانت تقف خلف الحاجز الذي نصبوه، كانوا يتربصون بعيون ترشف حقدًا وتعطشًا لضرب المعتصمين. في أول فرصة سنحت هبّوا علينا بهرواتهم علّنا نخاف ونعود أدراجنا محبطين، فانهالوا على كلّ من كان بمتناولهم غير مميزين بين شابات وشبّان معلنين انتصار مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة في الضرب (على الأقل تحقق هذا المطلب في أحد مؤسسات الدولة). لكننا لم نتراجع، لم نهرب كما فعلت كل الأنظمة العربية، بل عدنا محصنين بدفاعنا عن فلسطين ومطالبتنا باسقاط النظام المصري العميل. فافترشنا الأرض وصدحت أصواتنا بأغاني فلسطين، ومتوعدين قوى النظام القمعية والنظام المصري بالعودة إلى السفارة المصرية لأنّ "درب النضال طويل طويل...".
أمام السفارة المصرية صنعنا مشهدية نضال وتحدّي، خلقنا مساحة حرية في صلب قمع النظام الأمني، تشابكنا الأيدي وهتفنا، كنا هناك نخلق وطن خارج الوطن، خارج الطوائف وأحزابها الذين كانوا غائبين، كنّا هناك على درب حريّتنا وحرية فلسطين لأن طريق فلسطين تمرّ في كلّ مكان وفوق كلّ من يعترضها. فيا عسكر حضّر نفسك وكاميراتك للجولة المقبلة أو.... إنزع بذلتك وانضم إلينا.

Sunday, January 24, 2010

What Happened at the Egyptian Embassy in Beirut: the shame of the Lebanese Army

I am writing this post to testify on one thing, and one thing only: Lebanese Police and Army Brutality!

The leftist forces organized a sit in on saturday 23rd of January in front of the Egyptian embassy to protest against the wall being build by the Egyptian Regime on the borders of Gaza. This wall that is suffocating the people of Gaza and the resistance. Therefore Mubarak's regime shows one more time that it is the number one ally and collaborator with Israel in order to crush down the Palestinian Resistance and to kill the people of Palestine.

I went to the sit in, I and another couple of hundred of leftists refusing the collaboration of ALL Arab regimes with Israel (discreetly or indiscreetly). We were there, carrying our Palestinian flags and wearing our koufyias. Our only weapons were our chants and will to join the Palestinian people in their struggle against occupation. However we were faced with hundred of policemen, Army men and secret service agents who were enjoying taking our pictures.



It was predictable and normal, the oppressive security forces were protecting the egyptian embassy, the symbol of Mubarak's dictatorship in Lebanon. The Army was awaiting us, they were waiting for any single incidence in order to show their brutality and leash out on us with sticks, boots and machine guns.



So it happened: we tried to get through the barriers set by the army, they didn't resist, they didn't try to control the situation, they didn't spray us with water like they usually do...No, they ran on us brutally and powerlessly, thus they await for defenseless birds to hit.

They beat whoever they could reach (mostly young women), they took the defenseless protesters put them on the ground, stepping on them with their boots, hitting them with their machine guns and sticks. The army men were shouting, swearing, angry like hell (maybe they have marital problems). The Army of oppression didn't spare me: while i was backing away, i saw a couple of Army men knocking a young women on the ground, beating her brutally in any possible way they could. So i stopped and shouted at the Army cowards :"what is the wrong with you beating her like this??" so he took his rifle and hit me with it on the jaw, then with his stick, until a comrade and friend pulled me away.



What i have been through was nothing compared to what other comrades have been through: some of them saw their heads bleeding, other wounded in other parts of their body, one female comrade was hit on her spine making her unable to walk. The army brutality didn't prevent us from continuing our protest..we held our ground, we continued chanting and stayed...

Once again the Lebanese Army and political forces demonstrated their acts of shame. they showed us that they are powerless, because they show their "strengths" only by beating up defenseless protesters. They beat us because we don't a have a sectarian militia protecting us, because they know that almost all of Lebanese media are all accomplices in the sectarian and racist system guarded by the Lebanese Army and the Security Forces!

The Lebanese TV Media neglected what happened (except New Tv who told what really happened), they didn't even mention it (OTV- Aoun, Future TV Hariri), and if they did (MTV ) they portrayed the Army as the victims who were attacked and us as the victimizers.

We are not just facing Mubarak's regime and Israel, but we are facing the whole racist and sectarian system with its Army, Media and parties.. No matter what we will not withdraw, we will return to the Egyptian embassy, we will go to the parliament and target every symbol of this oppressive state.

For more information about what happened in the protest visit the blog of comrade farfahinne

photos by Jamouli
 
View blog authority Global Voices: The World is Talking, Are You Listening?
دوّن - ملتقى المدونين العرب Globe of Blogs http://rpc.technorati.com/rpc/ping Blog Directory