Free counter and web stats

Friday, May 15, 2009

النكبـة فـي الواحـدة والســتين... إلـى متـى أيضـاً؟



مخيم نهر البارد...1948

I ـ أين ذهبوا؟ 
«لم يكن العرب غرباء عنا أبداً. كانوا دوماً جزءاً من المشهد. جزءا من البلد، ولم يخطر ببالي قط التشكيك بإمكانية العيش معاً. فعلا معهم. بيتاً بجوار بيت، وشارعاً بجوار شارع». 
حاييم هنغبي، كاتب «اسرائيلي». قرر أن يعترف، بالعودة إلى ذاكرته، الى ما نسميه نحن، النكبة. لماذا لا نعيد صياغة النكبة بالأسئلة القديمة: كيف؟ لماذا؟ من؟ إلى أين؟ لماذا نصر على تكرار الكلام، وكأننا نحكم صمتاً على وعينا. أو كأننا اكتفينا من النكبة بذاكرة الجرح؟ ما علاقة النكبة بحق العودة؟ 
يكمل حاييم نص ذاكرته، لقد قررت أن من واجبي التمرد: «في نهاية العام 1947، اختفى جيراني من العرب. حدث ذلك في الشتاء. واختفاؤهم لم يحدث صدمة. إذ جرى كل شيء بهدوء ومن دون إثارة. كنوع من التبخر. ولست على ثقة إن كنت رأيتهم يحزمون أمتعتهم ويذهبون. ولكنني أتذكر جيدا دير ياسين... أذكر، أننا جلسنا في الصف، ورأينا الدخان يتصاعد من دير ياسين... أين اختفوا؟... وهذا هو سبب هوسي بجمع الخرائط الانتدابية، لتحديد مواقع القرى المهدومة والحياة المختفية. فقد كان إحساسي أن الأرض من دونهم أرض عاقر. أرض عاجزة. أرض أخفت شعبا بكامله». 
الحقيقة أنهم لم يتبخروا. لم يحملوا حقائبهم. لم يتح لهم أن يمسحوا دموعهم على الملأ. لم يذهبوا طوعا، بل اقتيدوا إلى العراء الدولي، وأصبحوا لاجئين. 
تخفي شهادة حاييم هنغبي مشهد الرحيل، لأن الوثائق الاسرائيلية، التي كانت سرية لفترة طويلة، ترسم الصورة الكاملة. وقد تجرأ صهيوني، عنصري ومؤرخ من موجة المؤرخين الجدد على فضح الكذبة التاريخية الأولى، قال: «الفلسطينيون لم يبيعوا أرضهم، نحن طردناهم منها، عبر تنفيذ خطة دالت». (بني موريس) 
ماذا في المشهد الذي أغفله حاييم؟ «هوجمت دير ياسين. انقضّت قوات الأرغون والهاغاناه على القرية (120 مقاتلا) ودعا المكبر النساء والأطفال والشيوخ الى مغادرة بيوتهم والالتجاء الى سفح الجبل. بعد ذلك نفذ اليهود مذبحة في القرية، من دون تمييز... وحملوا قسما من الأسرى على سيارات، وطافوا بها في شوارع القدس، في «موكب نصر» وسط هتافات الجماهير اليهودية». 
لم يذهبوا سراً، كما قال حاييم، لأن نهاية المشهد كما جاء في النصوص: «بعد استعراض هؤلاء في القدس، أعيدوا الى قريتهم وقتلوا...» وهكذا استطاعت العبقرية الإسرائيلية قتل وذبح 245 فلسطينياً.
II ـ «تنظيف» فلسطين من الفلسطينيين 
هل تصدق الكذبة؟ الجواب بالنفي. هل تعرف حجم الكذب الذي ارتكب بحق النكبة؟ 
أولا: لقد هربوا... 
ثانيا: لقد باعوا أرضهم... 
ثالثا: لم يقاتلوا أبدا... 
لنبدأ أولا، بدحض الأولى: بني موريس يدحض كذبة ان الفلسطينيين خرجوا من ديارهم، تلبية لنداء الزعماء العرب، الذين وعدوهم بإعادتهم الى أرضهم بعد طرد عصابات الصهاينة. أرقام بني موريس، المستقاة من أرشيف وزارة الحرب الاسرائيلية هي التالية: 
55% من مجموع حالات الهجرة كانت بفعل عمليات عسكرية صهيونية. 
15% نتيجة عمليات منظمتي الأرغون وليمي. 
2% لأوامر الطرد المباشر. 
1% عن الحرب النفسية. 
تصل النسبة الإجمالية إلى 73% من أعمال التهجير سببها الإسرائيليون مباشرة. وتعزو الوثائق إلى أن 22% من المهجرين تركوا أرضهم بسبب الرعب. 
يبقى أن الفلسطيني لم يترك أرضه استجابة لنداء القيادات العربية، إلا بنسبة 5%، فقط، لا يلام حاييم على ذاكرته، فقد كان فتى صغيراً. ولكنه، عندما كبر، قرر أن يبحث عن اثني عشر فلسطينيا، «خرجوا من عندنا، وتبخروا». يحاول هينغبي أن يعيد تأسيس التهجير في الذاكرة الاسرائيلية. فيما كثير من العرب يحاول تدمير الذاكرة العربية، باستثناء الذاكرة الفلسطينية، العاصية على النسيان والحفر في المستقبل... بدءاً من حياة هذا الماضي. 
قد تغفر لحاييم هنغبي نسيانه لأنه تدخل بعد بحثه الدؤوب عن اثني عشر فلسطينياً مقدسياً اختفوا إلى ما يلي: «توصلت الى استنتاج، أن اسرائيل غير قادرة على التحرر من طبيعتها التوسعية. إنها مربوطة القدمين واليدين بأيديولوجيا موجهة لها، هي أيديولوجية الاغتصاب». 
مؤسف ألا يكون العرب، وبعض كتّابهم خصوصا، الى هذا الاستنتاج. يتعاملون مع اسرائيل على انها دولة طبيعية، لا نساعدها بما فيه الكفاية، كي تعيش معنا بسلام. مؤسف أن نبيع ذاكرتنا. وعار أن نجعل منها خزاناً لغسل الخطيئة الأصلية التي ارتكبتها إسرائيل. 
III ـ الوداع الباكر للسلاح 
كذبة أخرى: الفلسطينيون اتكلوا على الجيوش العربية. باعوا أرضهم بالسلامة... ليس بوسع سطور قليلة أن تسرد مأساة قتال ضار، وشهداء ظلوا حتى ما بعد نزفهم، يقاتلون. ولم تكن الجيوش العربية في وارد هذه المعارك: واحدة تكفي: 
الأولى: معركة رأس العين، بقيادة حسن سلامة. أصيب القائد وكانت الإصابة قاتلة، أفتى الأطباء بموته. كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف والقوات الفلسطينية المسلحة تدافع، الى أن سقطت قلعة استراتيجية، لأنها تقع على مفترق طرق من الجنوب والساحل ومدن المثلث. إضافة الى مرور خط سكك الحديد بجانها. كان حسن سلامة يموت. قال: استدعوا حمزة صبح. حضر حمزة. وطلب منه سلامة استرجاع رأس العين. اذهب وأحضر القوات المطلوبة. إياك أن تطمئني أنك فاعل، فيما أنت تراهن على موتي، فيكون موتي بطاقة هرب للجميع. أقسم حمزة ونفذ قسمه. فجمع القوات من أمكنة كثيرة، وشن هجوما على رأس العين، وكان هجوما حاسما وقويا بثلاثمئة مقاتل. استمرت المعركة ثلاث ساعات. تقدم المقاتلون من اللد... تقدم أكثر.. انسحب الجيش الاسرائيلي حاملا قتلاه وجرحاه... وعاد حمزة ليبشر سلامة في المستشفى بأنه استرجع رأس العين... فأهداه حسن سلامة مسدسه الخاص... وأسلم الروح». (كتاب اللد ـ اسبير منير). 
لم يترك الفلسطينيون أرضهم... قاتلوا في كل قرية وحي... وللنكبة أسباب أخرى، ليس التخلي الفلسطيني سببها، ولا انعدام المقاومة أساسها. انما... تكمن الأسباب، في السياسة... ثم... 
IVـ فلسطين والفلسطيني واحد لا اثنان 
ما باع الفلسطيني أرضه. الوثائق الاسرائيلية حددت الملكية وانتقالها واغتصابها فجاءت كما يلي: 
سنة 1918 كان اليهود يملكون 2% من الأرض. 
سنة 1945 صاروا يملكون 5,66% من الأرض، واليهود لم يشتروا هذه الزيادة، من الفلسطينيين، بل من لبنانيين وسوريين مالكين لها، ويعيشون خارجها. الأراضي التي باعها الفلسطينيون تبلغ 400,000 دونم فقط. برغم التشاريع التي وضعها الانتداب لحمل العرب على البيع. ولم يبع الفلسطيني أرضه، إلا بعد فاقة وانسداد طرق الحياة أمامه. 
للإيضاح: البيع لم يكن فلسطينيا بقدر ما كان لبنانيا، وتحديدا في مرج بن عامر، أخصب سهول فلسطين. مساحته 400,000 دونم باع آل سرسق منه 200 الف دونم، تشتمل على 22 قرية، تقطنها 1746 عائلة، مؤلفة من 8730 شخصا، وكانت النتيجة، أن أجلي أهلها وتألب عليهم البرد والجوع، وفتكت فيهم الأمراض، وأخطر كثيرون الى الجلاء النهائي، وحل اليهود مكانهم. (يوسف هيكل. فلسطيني قبل وبعد). 
وباع آل التيّان من لبنان القسم الساحلي من وادي الموارث الخصب (31 ألف دونم) وباع سوريون 165 الف دونم من سهل الحولة... 
لذا... لم يتبين أن الفلسطيني باع. لم يكن البيع من أسباب النكبة. 
Vـ لكن النكبة ليست وحيدة. 
حصلت... وخرج الفلسطيني منها، مهجراً، وطافرا لى أماكن اللجوء. كان العالم آنذاك لا يرى. قتل الكونت برنادوت، ولم تقم قيامة الأمم المتحدة. هجر 750 ألف فلسطيني بالقوة، تطبيقا نسبيا، لمقولة: «ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، وتمهيدا لإنكار الفلسطيني. وتأكيدا على إنكار غولدا مائير له في ما بعد: «الفلسطيني؟ من يكون. لم أسمع بهذا الاسم من قبل». 
الفلسطيني الذي أخرج من أرضه، عوّل في اللجوء على ضعفه المبرم، وعلى قوة العرب الافتراضية. انتظر طويلا، تحت عين السماء الحارسة للجوئه، وقبضة الأنظمة المانعة لأنفاسه، والتسيب الدولي المتعمد لمآلاته. ثم عول على ما تيسر من بنادق، وقتال متفرق، بانتظار الحسم في الخامس من حزيران. وكانت النكبة الثانية، وكانت أشد هولا من الأولى. في الأولى خسر الفلسطينيون نصف أمهم، وفي الثانية خسروا العائلة... وباتوا في شتات مضاعف. عولوا على أنفسهم، فكانت «العاصفة»، ثم «شباب الثأر»، ثم ما لا يحصى من أحلام ورصاص. إلى أن خر «العبور» في كامب ديفيد، وانتهت حرب تشرين بالسقوط النهائي في التفاوض على حجم الخسائر. طافت البندقية الفلسطينية، تحت وطأة النكبة المستدامة. أخرجت من الأردن، مذبوحة، وأخرجت من بيروت، مشردة، واستعادت اقترابها من فلسطين، مع حجارة ثارت. 
للحجر الفلسطيني سمعة التأسيس، ولا تزال. أسس لأمل بوطن، ولجدوى القتال، بكل الأسلحة المتاحة، من الحجر، إلى القسّام. 
VIـ لماذا؟ ألف مرة 
لماذا هزمنا؟ لماذا لم ننتصر؟ لماذا العرب ما عادوا عرباً إلا نادرا؟ لماذا العالم ضدنا؟ لماذا الانقسام الفلسطيني؟ لماذا فلسطين أخرجت من الدولة العربية؟ لماذا هذا الخراب العربي المقيم؟ لماذا تراجعت الوحدة وعاشت التجزئة؟ لماذا تناوبنا على حروب الإخوة؟ لماذا نقتات من الهزيمة ونتربى على العجز؟ لماذا صرنا أميركيين كثيرا؟ لماذا تحول بعضنا ليصير شريكاً للمحور الاسرائيلي؟ لماذا الانقسام الفلسطيني؟ لماذا كل هذه اللماذا ولا جواب يقنع. والإجابات الممكنة تدعو إلى اليأس. 
انما... لماذا واحدة، تنتصب بجدارة السطوع، لماذا فازت المقاومة المسلحة في لبنان على إسرائيل؟ ولماذا فازت المقاومة المسلحة في غزة؟ (السؤال غير مطروح على من يشكك بالانتصارين) لماذا الشعوب العربية لا تزال فلسطين أيقونتها وحجتها على إيمانها هنا وهناك، بالأرض وبالسماء؟ بانتظار البركان الراشد، سياسيا وثقافيا، تبقى فلسطين، مفتاح الإجابات، على الأسئلة الواردة أعلاه. 
هي المشكلة. هي المأزق، وهي الخلاص أيضا. للعرب... والكثير من العالم... وللضمير الإنساني أساسا. 
انما... ليست النكبة أساسا سياسة. هي، قضية إنسانية بمستوى الأخلاق... وقضية بمستوى إنسانية هذه البشرية الغارقة في عدمية إنسانية، وهي بهذا الإطار، قضية فلسطينيين، الشتات وطنهم، الضياع طريقهم، اللجوء مكان إقامتهم، والعذاب خبزهم اليومي... تلك هي سيرة اللاجئ في مخيمات الإقامة الجبرية. النكبة في وعي الفلسطيني، حقه الدائم بالعودة الى وطنه. 
لذا، من محمود درويش هذه البطاقة: 
«لا ينظرون أمامهم ليودعوا منفى 
فإن أمامهم منفى. لقد ألفوا 
الطريق الدائري، فلا أمام 
ولا وراء، ولا شمال ولا جنوب... 
ويرحلون من البيوت إلى الشوارع 
راسمين إشارة النصر الجريحة 
لمن يراهم: 
لم نزل أحياء، فلا تتذكرونا» 
لا تعتذر عما فعلت 
الفلسطيني اليوم، قديس هذه الجلجلة من ولادته إلى يوم... لا اسم له: 
«ولدت ولم تكن أمي معي 
كانت تبحث عن إقامة أخي. 
شمل عائلي في السجن. 
ولدت ولم تكن أمي بقربي 
كانت تودع أبي 
وتوضب رحلته الأخيرة 
وتقمط جسمه بالتراب، 
ولدتُ ولم أكن هناك. 
ولدت ولم أكن أنا معي 
لا المكان يعرفني، ولا أمي تلدني، 
ولا أبي يهبني اسمه ولا أخ يومئ 
إليّ من خلف... من خلف قضبان الحديد. 
لقد ولدت من دون حبل جميل. 
ولدت ولما أزل أولد... والبلاد ليست بلادي.

No comments:

Post a Comment

 
View blog authority Global Voices: The World is Talking, Are You Listening?
دوّن - ملتقى المدونين العرب Globe of Blogs http://rpc.technorati.com/rpc/ping Blog Directory