حازت هذه المقالة الرائعة على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة لعام 2009. كاتبة المقالة هي صديقتي العزيزة كارول كرباج وهي طالبة سنة أولى ماسترز علوم سياسية في الجامعة الياسوعية في بيروت. مبروك كارول على هذه الجائزة التي تستحقينها. هذا المقال يحاكي ويعالج واقع أليم تعيشه نساء في لبنان وقعن ضحية التجارة الجنسية ويتعرضن لظلم المجتمع والدولة وقوانينها
كارول كرباج
نساء لبنانيات وأجنبيات يؤجّرن أجسادهن لترفيه رجال
كارول كرباج - نهار الشباب
تطقطق بكعبها المرتفع، تنتظره ووجهها مُغطى بحجاب من المساحيق، وجسدها "منطلق" لا تعوقه سوى قطعة قماش ملتصقة بنهديها البارزين لتصل إلى ردفيها الممتلئين. تدغدغ غرائزه أحياناً وتستثير فضوله أحياناً أخرى... فيقف أحدهم ويسألها "شو قصتك انت؟". تجيب "60 ألف". يحدق بها بعمق، ويعيد السؤال ذاته... فتجيب مجدداً "عم قلك 60 ألف!". فيتمتم وعلى وجهه علامات الخيبة "هيدي قصتك انت... ما عندك غيرها!!" ويكمل طريقه.
نجهل قصتها، أو ربما نتجاهلها. ننظر إلى عالمها باستهجان، نعتقد ان "مهنتها" لا تصيب سوى الأخريات مثلها، السيئات منهن!
قصتها وقصصهن تسترها عتمة الملاهي وفخامة الفنادق، لكن أيضاً فقر البيوت وفساد بعض الأجهزة الأمنية، والأهم ثقافة المحرمات التي ترى في "السترة" حماية مجتمع! نخجل... لا نبوح، احتراماً لـ "الذوق العام" وحفاظاً على صورة لبنان في الخارج. لا نتكلّم... لكننا نعرف. فمن يجهل ان أثرياء العرب لا يتهافتون إلى لبنان فقط للتمتّع بآثاره وبطبيعته الخلابة؟! من لا يعلم ان النساء اللواتي يقفن بثيابهن المغرية على بعض الأوتوسترادات، ينتظرن زبوناً؟ ومن لا يعلم ان "الفنانات" لا يأتين إلى لبنان بقصد الرقص والتدليك فقط؟
ولكن هل سألنا كيف تعيش تلك النساء؟ كيف يشعرن بعد مضاجعة غرباء مقابل ورقة نقدية، مهما كانت قيمتها؟ الرتابة؟ الضياع؟ القرف؟ احتقار الذات؟ ما الظروف التي تدفعهن إلى هذا المكان؟ ما شروط عملهن؟...
لم نعثر ويا للأسف على إحصاءات شاملة عن موضوع الاستغلال الجنسي والدعارة في لبنان. لكن أرقام "جمعية دار الأمل"، وهي جمعية تُعنى بالموضوع يمكن ان تعكس ظروف النساء العاملات في مجال الدعارة، على الأقل الرخيصة منها. وفق الدراسة، من أصل 103 ضحايا البغاء اللواتي أفدن من خدمات الجمعية عام 2007، 78 امرأة كن قد تعرضن للتحرش الجنسي، 71 للإغتصاب، 29 لسفاح القربى و103 للضرب والتعنيف المعنوي. يذكر ان أعمارهن تراوح بين 13 و45 سنة، وان "المستفيدات بغالبيتهن عشن شتى أنواع العنف في أعمار كن لا يزلن فيها قاصرات"، وفق ما جاء في الدراسة المذكورة.
تقول المنسقة العامة في "جمعية دار الأمل" هدى قرى إنه باستثناء الدعارة المخملية، معظم النساء اللواتي يمارسن الدعارة في لبنان يأتين من مناطق فقيرة ريفية أو من أحزمة بؤس، تعاني البطالة، والأمية والجهل. تتابع: "تخيلي أن لدينا حالة كانت تمارس دعارة الشوارع في مقابل سندويش... لا أكثر!".
فالمرأة التي تهرب من منزلها تحت وقع اعتداء جنسي من أحد أفراد العائلة أو خوفاً من جريمة شرف، لن يرحمها الشارع، ستنتهي بطريقة أو بأخرى إلى ممارسة الدعارة. وتؤكد قرى، انطلاقاً من خبرتها في العمل مع ضحايا البغاء، ان هناك من تتوارث "مهنتها" عن الأم أو من تُجبر على ممارسة البغاء لصالح الزوج/القوّاد. وقد أخبرتنا غادة الحكيم، المرشدة الاجتماعية في سجن بعبدا، عن ثلاث حالات دعارة دخلن السجن، وطلبت كل منهن على انفراد ان تتصل بزوجها، لتفاجأ في النتيجة ان الثلاث أعطيننا الاسم ذاته ورقم الهاتف ذاته. وقد تبيّن ان الرجل هو قوّاد زوجاته الثلاث!
بدورها، اعتبرت المرشدة الاجتماعية في "جمعية دار الأمل" نهاد البستاني ومن خلال تجربتها الميدانية ان سوء المعاملة والحرمان العاطفي والزواج المُبكر وتشرذم العائلة "تُضعف من قدرة المرأة على مقاومة مغريات عالم الدعارة، فتصبح مادة مناسبة للقوادين وتجار الجنس".
في السياق ذاته، تُشير خولة مطر من قسم الاتجار بالبشر في "منظمة العمل الدولية" ان الفتيات اللواتي تدفعهن ظروفهن إلى الهروب من المنزل يصبحن في مصيدة تجار الدعارة. منتهكات ومستغلات، ليس لديهن شيء ليخسرنه، فلماذا لا يعشن من خلال هذا الاستغلال؟ فتلتقي قواداً ينفق عليها مقابل ممارستها الدعارة.
وتشدد المرشدة النفسية جويل خوري على ان لكل حالة مشكلتها الخاصة، لكن القاسم المشترك يبقى إجمالاً غياب الاستقرار المادي والعاطفي، والجوع إلى الحنان أكثر ما يخيف ضحايا الاتجار... شعور يلازمهن ويضعف من قدرتهن على المواجهة.
اعتداءٌ، فهروب، فدعارة...
ريما فتاة لم تتمتع باكتشاف أنوثتها. الأب اشتهى طفلته، فاعتدى عليها ثلاث مرات، مع انه كان حريصاً جداً على سمعتها، ويراقب تفصيلاً طريقة لبسها وأوقات خروجها وعودتها إلى المنزل.
فهمت قذارة الحياة في عمر الـ 14... في منزلها ومع والدها "ما حدا غريب!". وصلت على عجل ومن دون أي تمهيد إلى بداية النهاية. حرقت مراحل العمر ودخلت عالم "الكبار" لحظة ضاقت خياراتها. فقررت الهروب من المنزل... لكن إلى أين؟
تجتاز الصمت إلى الكلام بصعوبة بالغة... مع ان الموضوع قد مضى عليه سنين. عملت ريما في قسم التنظيفات بفندق في بيروت. فكرت بالعودة إلى منزلها مراراً، لكنها عندما علمت ان أباها وأخاها قد بدأا التحرش بأختها الصغرى، لم تقدم على العودة. تتابع قصتها، محاولةً ان تتخطى خجلها وألمها، فتقر بأنها تعرفت الى شاب بعد نحو ثلاث سنوات من هروبها، وتعلّقت به كثيراً. احتل عالمها بسرعة وأصبح الخيط الوحيد الذي يربطها بالحياة. هذا الشاب استغلها أيضاً جنسياً... حملت منه، فتركها ولم يعترف بالطفل.
في هذه الأثناء، بدأت صديقتها تستقطبها إلى عالم الدعارة، مستخدمةً أقوى الحجج: الحاجة! عملت في بيوت دعارة مقابل 20 إلى 50 دولاراً في الليلة، حسب الزبون. "لم يكن لدي شيء أخسره، كنت انتقم من والدي"، تقولها ورعشة الذكرى قد هزّت كيانها.
بعدها، دخلت في علاقة عاطفية، كانت ثمارها طفلة. تزوجته لأنه تقبّل ماضيها وتفهّم وضعها. تتكلم بملامحها وابتسامتها الطفولية مؤكدةً انها تركت الدعارة بسبب حبها العميق لزوجها وابنتها، "مع ابنتي، أخذت قراري". فهي اليوم تحاول ان تحقّق أحلامها من خلال ابنتها التي تبلغ من العمر 9 سنوات. تحرص على تربيتها في جوٍ صحي بعيداً من أهلها.
تركت... لكن الجرح لم يلتئم بعد، ولن يلتئم. يستحضرها الماضي بشكل دائم، يلاحقها أينما ذهبت. أكثر ما يمكن ان يؤلمها اليوم ان تلتقي مع ابنتها بالصدفة زبوناً سابقاً. استحضار الفكرة وحده يقلقها. "لا أريد أن تصبح ابنتي مثلي!" تختم حديثها ببسمة تقاوم البكاء...
وجدتُ في البار مأوى!
قصة رنا بدأت بصفقة بين رجل يشتهي القاصرات العذارى وأهلها. السعر كان مبلغاً مرموقاً، أما الثمن فكان حياتها... بعدما أشبع رغباته مع فتاة عمرها 13 سنة، حاولت ان تعود إلى منزلها. لكن "البضاعة لا تُرد ولا تبدل"، خصوصاً إذا "استخدمت"! رفضت العائلة استقبالها، لأنها عادت والعار معها. "أصبحتُ بلا مأوى". تلفظها بصوتِ من تحدى قساوة الحياة وظُلمها. تتابع متجردةً من عواطف الماضي "تشردتُ في الشوارع سنتين، عملتُ على طريق الروشة - المنارة بمبدأ ان الذي يطعمني أو ينفق علي المال، أمارس معه الجنس". بعد ذلك، أقامت مع رجل أحبته. لكن العلاقة لم تستمر طويلاً. الحبيب الذي وعدها بشيء من الأمان والاستقرار كان مدمن مخدرات اعتاد تعنيفها. في هذه الظروف، وجدَت في البار مأوى يوفر لها نوعاً من الاستقلال المادي.
رنا، المرأة الأربعينية، عيناها الخضروان تعكسان جمالاً لم تخفه قساوة الحياة. لم يتردّد البار في توظيفها، مع انها رفضت ان تعمل لصالح قوّادٍ يشرف عليها ويأخذ مالها. تصمت وكأنها تستعيد ذكريات لا تريد استذكارها... وتقول "نزلنا على البار، أوسخ مكان ممكن ان تصادفيه!"، وكأن كل ما حفرته التجارب في نفسها قبل دخولها البار لا يعدُّ شيئاً بالنسبة لقذارة هذا المكان.
دوام العمل كان من الثامنة مساءً لغاية الرابعة صباحاً، كانت تمارس الدعارة مع 20 إلى 40 زبوناً في الليلة! تشرح بعدما قرأت علامات الاستغراب على وجهي، قائلةً "بين العادي والسبيسيال، نعم ممكن ان نصل إلى هذا العدد في الليلة". أما عن مفردات البار، فتُعيد شرحها بتمهّل: "العادي" هو الذي يستغرق 5 دقائق، "السبيسيال" 10 دقائق ومن ثم "النصف ساعة" و"الساعة". تضيف ان من بين الخيارات الأربعة لا تفرق فقط المدّة، بل أيضاً طبيعة العلاقة الجنسية. أما السعر، فيراوح في البار الذي عملت فيه، من 30 ألفاً إلى 100 ألف. يُذكر ان الزبون يدفع 20 ألفاً زيادة على كل خدمة إضافية تقوم بها المومس. "إجمالاً الزيادة تأتي من حالات مرضية تجد في بعض "الاضافات" المزيد من المتعة... وغالباً ما يخجل الزبون ان يطلبها من زوجته أو رفيقته، فيدفع لقاء الحصول عليها!" تؤكد رنا.
أهم شيء تتعلمه "بنت البار"، وبخاصة إذا كانت قاصرة، ان تسمع الجرس الذي ينذر بقدوم شرطة الآداب الى البار. ثلاثة رجال موزعين على طول الشارع، مهمتهم مراقبة تحركات الأجهزة الأمنية و"الكبسات" المحتملة. في هذا الوقت، "كنا نهرب من زواريب سرية تصل غرف البار بالشارع".
"رفض الزبون هو شيء من الانتحار بالنسبة للمومس. ما في شي اسمه ما بدي أو مش قادرة بالبار" وفق رنا، حيث يمكن للزبون أن ينهال عليها ضرباً، ويكمل تعنيفها القوّاد أو صاحب البار إذا رفضت الخضوع لرغباته، مهما كان سادياً، مقرفاً ومعقداً. خلال السنوات الخمس (من 16 إلى 21 سنة) التي عملت خلالها رنا في البار، صادفت حالات نزيف مع فتيات قاصرات، غالباً بسبب سادية بعض الزبائن. الشعار هو ذاته وهو "الزبون دائماً على حق"... بماله يشتري جسد امرأة وكرامتها ويعبث بها كما يشاء!
بنت البار لا تقبض مباشرة من الزبون. يدفع الأخير إلى صاحب الملهى، ومن ثم يعطي الثلث للمومس ويأخذ الثلثين. أما المومس التي تعمل لصالح قوّاد، فيأخذ منها الثلث المتبقي بحجة انه مسؤول عنها، ولا يعطيها سوى ما يسد رمقها! "هو السجان والحامي" وفق تعبير مطر.
"البنت" تقبع في أسفل الهرم، يعلوها قواد وبعده ما يسمى "الأم" (وهي المرأة الأكبر في العمر والأقوى في الشخصية)، ثم مدير البار ومن ثم صاحب البار نفسه. تراءت لنا هذه الهرمية في أحد بارات الحمراء حيث وجب أخذ موافقة "الأم" قبل دخول المكان الذي أكّدت انه مخصص "للرجال والمومسات". وبعدما ابتدعنا صفة ندخل بها البار من دون تصريح، أصرّت ان نشرب معها كأساً... وبدأت تخاطبنا بنبرتها الخشنة المتناسقة مع جسمها البدين وتعابيرها السوقية، عن الأوضاع الصعبة التي مرّ بها لبنان والتي قطعت من رزق المكان. ثم ضحكت وسألتنا "انتو مع مين اليوم؟"، فسارعت إلى تطميننا ان البار هنا منفتح على كل الأفكار. فتومئ إلى القواد وتقول "هيدا مثلاً مع 14، وأنا مع 8". "والبنات مع مين؟" أسألها بنفسي. تقهقه مجيبةً "هول مش مع حدا، بس معي...". في هذا الوقت، دخل زبون، فغمزتهن "الأم" مباشرة ليهتممن به. فيلقي نظرةً بانورامية عليهن... يختار الجسد الأصغر سناً والأكثر جاذبية... يحدق به... تجالسه بضع دقائق... ثم تُسدل الستارة وتنتقل معه إلى غرفة أخرى...
تكفي زيارة مقتضبة إلى البار لتفهم دوافع ترك رنا عالم الدعارة. تُقول إنها عندما عرفت جمعية "دار الأمل"، أخذت قرارها مباشرة ولم تتراجع عنه. "البار أوسخ مكان صادفته، عندما وجدت بديلاً منه، لم أتردّد أبداً". ثم تمازحني قائلة "مع انو كنت طلّع اكتر بكتير بالبار من شغلي بدار الأمل!".
قصة رنا بدأت بصفقة بين رجل يشتهي القاصرات العذارى وأهلها. السعر كان مبلغاً مرموقاً، أما الثمن فكان حياتها... بعدما أشبع رغباته مع فتاة عمرها 13 سنة، حاولت ان تعود إلى منزلها. لكن "البضاعة لا تُرد ولا تبدل"، خصوصاً إذا "استخدمت"! رفضت العائلة استقبالها، لأنها عادت والعار معها. "أصبحتُ بلا مأوى". تلفظها بصوتِ من تحدى قساوة الحياة وظُلمها. تتابع متجردةً من عواطف الماضي "تشردتُ في الشوارع سنتين، عملتُ على طريق الروشة - المنارة بمبدأ ان الذي يطعمني أو ينفق علي المال، أمارس معه الجنس". بعد ذلك، أقامت مع رجل أحبته. لكن العلاقة لم تستمر طويلاً. الحبيب الذي وعدها بشيء من الأمان والاستقرار كان مدمن مخدرات اعتاد تعنيفها. في هذه الظروف، وجدَت في البار مأوى يوفر لها نوعاً من الاستقلال المادي.
رنا، المرأة الأربعينية، عيناها الخضروان تعكسان جمالاً لم تخفه قساوة الحياة. لم يتردّد البار في توظيفها، مع انها رفضت ان تعمل لصالح قوّادٍ يشرف عليها ويأخذ مالها. تصمت وكأنها تستعيد ذكريات لا تريد استذكارها... وتقول "نزلنا على البار، أوسخ مكان ممكن ان تصادفيه!"، وكأن كل ما حفرته التجارب في نفسها قبل دخولها البار لا يعدُّ شيئاً بالنسبة لقذارة هذا المكان.
دوام العمل كان من الثامنة مساءً لغاية الرابعة صباحاً، كانت تمارس الدعارة مع 20 إلى 40 زبوناً في الليلة! تشرح بعدما قرأت علامات الاستغراب على وجهي، قائلةً "بين العادي والسبيسيال، نعم ممكن ان نصل إلى هذا العدد في الليلة". أما عن مفردات البار، فتُعيد شرحها بتمهّل: "العادي" هو الذي يستغرق 5 دقائق، "السبيسيال" 10 دقائق ومن ثم "النصف ساعة" و"الساعة". تضيف ان من بين الخيارات الأربعة لا تفرق فقط المدّة، بل أيضاً طبيعة العلاقة الجنسية. أما السعر، فيراوح في البار الذي عملت فيه، من 30 ألفاً إلى 100 ألف. يُذكر ان الزبون يدفع 20 ألفاً زيادة على كل خدمة إضافية تقوم بها المومس. "إجمالاً الزيادة تأتي من حالات مرضية تجد في بعض "الاضافات" المزيد من المتعة... وغالباً ما يخجل الزبون ان يطلبها من زوجته أو رفيقته، فيدفع لقاء الحصول عليها!" تؤكد رنا.
أهم شيء تتعلمه "بنت البار"، وبخاصة إذا كانت قاصرة، ان تسمع الجرس الذي ينذر بقدوم شرطة الآداب الى البار. ثلاثة رجال موزعين على طول الشارع، مهمتهم مراقبة تحركات الأجهزة الأمنية و"الكبسات" المحتملة. في هذا الوقت، "كنا نهرب من زواريب سرية تصل غرف البار بالشارع".
"رفض الزبون هو شيء من الانتحار بالنسبة للمومس. ما في شي اسمه ما بدي أو مش قادرة بالبار" وفق رنا، حيث يمكن للزبون أن ينهال عليها ضرباً، ويكمل تعنيفها القوّاد أو صاحب البار إذا رفضت الخضوع لرغباته، مهما كان سادياً، مقرفاً ومعقداً. خلال السنوات الخمس (من 16 إلى 21 سنة) التي عملت خلالها رنا في البار، صادفت حالات نزيف مع فتيات قاصرات، غالباً بسبب سادية بعض الزبائن. الشعار هو ذاته وهو "الزبون دائماً على حق"... بماله يشتري جسد امرأة وكرامتها ويعبث بها كما يشاء!
بنت البار لا تقبض مباشرة من الزبون. يدفع الأخير إلى صاحب الملهى، ومن ثم يعطي الثلث للمومس ويأخذ الثلثين. أما المومس التي تعمل لصالح قوّاد، فيأخذ منها الثلث المتبقي بحجة انه مسؤول عنها، ولا يعطيها سوى ما يسد رمقها! "هو السجان والحامي" وفق تعبير مطر.
"البنت" تقبع في أسفل الهرم، يعلوها قواد وبعده ما يسمى "الأم" (وهي المرأة الأكبر في العمر والأقوى في الشخصية)، ثم مدير البار ومن ثم صاحب البار نفسه. تراءت لنا هذه الهرمية في أحد بارات الحمراء حيث وجب أخذ موافقة "الأم" قبل دخول المكان الذي أكّدت انه مخصص "للرجال والمومسات". وبعدما ابتدعنا صفة ندخل بها البار من دون تصريح، أصرّت ان نشرب معها كأساً... وبدأت تخاطبنا بنبرتها الخشنة المتناسقة مع جسمها البدين وتعابيرها السوقية، عن الأوضاع الصعبة التي مرّ بها لبنان والتي قطعت من رزق المكان. ثم ضحكت وسألتنا "انتو مع مين اليوم؟"، فسارعت إلى تطميننا ان البار هنا منفتح على كل الأفكار. فتومئ إلى القواد وتقول "هيدا مثلاً مع 14، وأنا مع 8". "والبنات مع مين؟" أسألها بنفسي. تقهقه مجيبةً "هول مش مع حدا، بس معي...". في هذا الوقت، دخل زبون، فغمزتهن "الأم" مباشرة ليهتممن به. فيلقي نظرةً بانورامية عليهن... يختار الجسد الأصغر سناً والأكثر جاذبية... يحدق به... تجالسه بضع دقائق... ثم تُسدل الستارة وتنتقل معه إلى غرفة أخرى...
تكفي زيارة مقتضبة إلى البار لتفهم دوافع ترك رنا عالم الدعارة. تُقول إنها عندما عرفت جمعية "دار الأمل"، أخذت قرارها مباشرة ولم تتراجع عنه. "البار أوسخ مكان صادفته، عندما وجدت بديلاً منه، لم أتردّد أبداً". ثم تمازحني قائلة "مع انو كنت طلّع اكتر بكتير بالبار من شغلي بدار الأمل!".
في النظرة إلى الذات والجسد....
في البدء، يمكن ان ترتدي القناع، فالظروف قد قيّدت خياراتها، ترضخ للأمر الواقع وتمارس البغاء... تتمسك بالقناع كوسيلة لعدم كسر إرادتها. فتكافح، على الأقل مع ذاتها، لكنها سرعان ما تعتاد ظروفها. فيصبح القناع هويةً والتأقلم مع الواقع انصياعاً واللامبالاة موتاً بطيئاً، تشرح المرشدة النفسية جويل خوري.
لهذا السبب، ليس من السهل ان تخرج من عالم الدعارة. فالضعف والخوف من التغيير يصبحان جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها. تعيش إحباطاً مستمراً. فقد خسرت كل شيء واعتادت محيطها وخفتت الطاقة لمحاولة الحياة والخروج من اليأس. لذا، التحدي الأكبر الذي تواجهه مرشدات "دار الأمل" هو تغيير نمط حياتها وسلوكها. فالأمر لا يقتصر على تغيير مهنة فحسب، بل استعادة هوية وتقوية إرادة الشخص. القرار يبقى في يدها، هذا ما تقوله المرشدات الاجتماعيات لضحايا البغاء "هذا خيارك، انت بتساعدي نفسك!".
هي بائعة الجسد، هكذا يرغب المجتمع أحياناً في مناداتها. وما جسد المومس سوى أداة تجارية، تبيعه لتلبية حاجتها الاقتصادية، و"الشاري" يبتاعه لإشباع حاجاته الجنسية. خلال هذه الصفقة، يفقد الجسد قيمته كأداة تواصل انساني. لذلك، نظرتها الى ذاتها وجسدها لا تكون في الغالب ايجابية. "تدرك بوعي أو من دون وعي انها أخطأت بحق نفسها، فينتج من ذلك كره للجسد"، تقول خوري. وتؤكد كلامها رنا حين سألناها عن علاقتها بجسدها، فأجابت "لم أحبه يوماً! لم يتسنَ لي الوقت لأتعرف عليه... وأيضاً لأنني أعاني من برود جنسي يزعجني كثيراً". تتابع ان أكثر ما تتمناه اليوم هو علاقة حب تُذكّرها بأنها ما زالت إنسانة تُحِب وتُحَب.
وتأتي النظرة الذكورية للمجتمع، التي تصنفها كفاقدة للشرف... في حين تعطي الرجل الحق في إشباع رغباته الجنسية، لتزيد من مشكلاتها مع ذاتها ومن احتقارها لجسدها. لهذا السبب، وجدنا صعوبة بالغة للتكلّم مع إحداهن في أحد فنادق بيروت، خاصةً العربيات منهن، حيث أبدين خوفاً ملحوظاً. هذا ما أكدته أيضاً ابو شكرا اذ من الصعب أن يعترفن لها بممارسة البغاء، رغم مجيئهن بنفسهن إلى الجمعية لطلب المساعدة.
في البدء، يمكن ان ترتدي القناع، فالظروف قد قيّدت خياراتها، ترضخ للأمر الواقع وتمارس البغاء... تتمسك بالقناع كوسيلة لعدم كسر إرادتها. فتكافح، على الأقل مع ذاتها، لكنها سرعان ما تعتاد ظروفها. فيصبح القناع هويةً والتأقلم مع الواقع انصياعاً واللامبالاة موتاً بطيئاً، تشرح المرشدة النفسية جويل خوري.
لهذا السبب، ليس من السهل ان تخرج من عالم الدعارة. فالضعف والخوف من التغيير يصبحان جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها. تعيش إحباطاً مستمراً. فقد خسرت كل شيء واعتادت محيطها وخفتت الطاقة لمحاولة الحياة والخروج من اليأس. لذا، التحدي الأكبر الذي تواجهه مرشدات "دار الأمل" هو تغيير نمط حياتها وسلوكها. فالأمر لا يقتصر على تغيير مهنة فحسب، بل استعادة هوية وتقوية إرادة الشخص. القرار يبقى في يدها، هذا ما تقوله المرشدات الاجتماعيات لضحايا البغاء "هذا خيارك، انت بتساعدي نفسك!".
هي بائعة الجسد، هكذا يرغب المجتمع أحياناً في مناداتها. وما جسد المومس سوى أداة تجارية، تبيعه لتلبية حاجتها الاقتصادية، و"الشاري" يبتاعه لإشباع حاجاته الجنسية. خلال هذه الصفقة، يفقد الجسد قيمته كأداة تواصل انساني. لذلك، نظرتها الى ذاتها وجسدها لا تكون في الغالب ايجابية. "تدرك بوعي أو من دون وعي انها أخطأت بحق نفسها، فينتج من ذلك كره للجسد"، تقول خوري. وتؤكد كلامها رنا حين سألناها عن علاقتها بجسدها، فأجابت "لم أحبه يوماً! لم يتسنَ لي الوقت لأتعرف عليه... وأيضاً لأنني أعاني من برود جنسي يزعجني كثيراً". تتابع ان أكثر ما تتمناه اليوم هو علاقة حب تُذكّرها بأنها ما زالت إنسانة تُحِب وتُحَب.
وتأتي النظرة الذكورية للمجتمع، التي تصنفها كفاقدة للشرف... في حين تعطي الرجل الحق في إشباع رغباته الجنسية، لتزيد من مشكلاتها مع ذاتها ومن احتقارها لجسدها. لهذا السبب، وجدنا صعوبة بالغة للتكلّم مع إحداهن في أحد فنادق بيروت، خاصةً العربيات منهن، حيث أبدين خوفاً ملحوظاً. هذا ما أكدته أيضاً ابو شكرا اذ من الصعب أن يعترفن لها بممارسة البغاء، رغم مجيئهن بنفسهن إلى الجمعية لطلب المساعدة.
لاجئة، خادمة، فقيرة... في خدمة "الترفيه"
فئات مغبونة كاللاجئات والخادمات والريفيات الفقيرات أصبحن أداة للإمتاع ولإشباع رغبات السياح. لبنان السياحة يجذب بعض أثرياء العرب عبر إشباع جوعهم للجنس، في مقابل سحب أموالهم... متاجراً بالفئات المهمشة والشعوب المستضعفة غالباً، الا ان الواقع يشهد أيضاً بغاء ثريات يرغبن في مضاعفة الثروة أو الوصول الى مكسب سياسي وغيره.
بعد الحرب على العراق، ازداد تهريب النساء العراقيات إلى سوريا ولبنان بشكل ملحوظ وقد تطرقت الصحف الأميركية والبريطانية الى هذا الموضوع. الهروب من الموت، الافتقار إلى المال، عدم وجود فرص عمل، استحالة العودة إلى الوطن... كلها من الأسباب التي تدفع اللاجئة إلى الاستسلام لاغتصاب الجسد بعد اغتصاب الوطن!
كذلك، تقول الحكيم انها لمست في السجن الذي تعمل فيه "ظاهرة سوريات قاصرات من مناطق ريفية فقيرة تبيعهن عائلاتهن إلى تجار لبنانيين ليعملن في أسواق الدعارة". النساء الأكثر طلباً هن العذارى، على أساس ان البضاعة ما زالت جديدة! تذكر حالة فتاة سورية أجبرها والدها في عمر الـ 14 على ممارسة البغاء في لبنان لتنفق على عائلتها في سوريا "وحُكمت بالسجن لثلاث سنوات في سجن بعبدا بعد 5 سنوات من ممارستها البغاء".
في السياق ذاته، حدثنا المحامي رولان طوق، وهو متخصص في موضوع المهاجرين، ان العديد من الخادمات الأجنبيات يعملن في دعارة الشوارع مقابل 5000 ليرة أو 5 دولارات لترفيه العمال المصريين والسودانيين والسري لانكيين. أما بستاني، فأكدت لنا ان غالبية ضحايا الدعارة اللواتي أفدن من خدمات "دار الأمل" كن خادمات عُنّفن في منازل مستخدميهن. ثم تبدي تأثرها وهي تخبرني ان "خمس نساء عرفن أخواتهن صدفةً في الجمعية، إذ كن يعملن خادمات منذ الصغر قبل ان ينتقلن إلى ممارسة الدعارة".
يتم تهريب هؤلاء النساء عبر الحدود بحسب مواسم السياحة ووجود أصحاب الأموال العرب. في مواسم الصيف يرتفع الطلب على السياحة الجنسية في لبنان وسوريا. أما في إجازات رمضان، فمصر ودبي تحتلان الصدارة. شبكات التنقّل هذه تم التعرّف اليها من خلال اعترافات بعض النساء اللواتي وقعن ضحايا الاتجار، وعبر تقارير رجال الشرطة في السجون، تؤكد مطر. فاستناداً إلى بداية العمل البحثي الذي تقوم به منظمة العمل الدولية (لبنان) من خلال جمع مؤشرات لبلورة رؤية شاملة، عُلم عن شبكة تهريب في الشرق الأوسط تستقدم نساءً إلى الدول العربية بهدف الاتجار بهن واستخدامهن في أسواق الدعارة. التهريب يتم وفق مطر بطريقتين: من خلال أوراق مزوّرة وعقود عمل وهمية (مثل تزوير أعمار النساء)، أو من دون المرور عبر النقاط الحدودية.
فئات مغبونة كاللاجئات والخادمات والريفيات الفقيرات أصبحن أداة للإمتاع ولإشباع رغبات السياح. لبنان السياحة يجذب بعض أثرياء العرب عبر إشباع جوعهم للجنس، في مقابل سحب أموالهم... متاجراً بالفئات المهمشة والشعوب المستضعفة غالباً، الا ان الواقع يشهد أيضاً بغاء ثريات يرغبن في مضاعفة الثروة أو الوصول الى مكسب سياسي وغيره.
بعد الحرب على العراق، ازداد تهريب النساء العراقيات إلى سوريا ولبنان بشكل ملحوظ وقد تطرقت الصحف الأميركية والبريطانية الى هذا الموضوع. الهروب من الموت، الافتقار إلى المال، عدم وجود فرص عمل، استحالة العودة إلى الوطن... كلها من الأسباب التي تدفع اللاجئة إلى الاستسلام لاغتصاب الجسد بعد اغتصاب الوطن!
كذلك، تقول الحكيم انها لمست في السجن الذي تعمل فيه "ظاهرة سوريات قاصرات من مناطق ريفية فقيرة تبيعهن عائلاتهن إلى تجار لبنانيين ليعملن في أسواق الدعارة". النساء الأكثر طلباً هن العذارى، على أساس ان البضاعة ما زالت جديدة! تذكر حالة فتاة سورية أجبرها والدها في عمر الـ 14 على ممارسة البغاء في لبنان لتنفق على عائلتها في سوريا "وحُكمت بالسجن لثلاث سنوات في سجن بعبدا بعد 5 سنوات من ممارستها البغاء".
في السياق ذاته، حدثنا المحامي رولان طوق، وهو متخصص في موضوع المهاجرين، ان العديد من الخادمات الأجنبيات يعملن في دعارة الشوارع مقابل 5000 ليرة أو 5 دولارات لترفيه العمال المصريين والسودانيين والسري لانكيين. أما بستاني، فأكدت لنا ان غالبية ضحايا الدعارة اللواتي أفدن من خدمات "دار الأمل" كن خادمات عُنّفن في منازل مستخدميهن. ثم تبدي تأثرها وهي تخبرني ان "خمس نساء عرفن أخواتهن صدفةً في الجمعية، إذ كن يعملن خادمات منذ الصغر قبل ان ينتقلن إلى ممارسة الدعارة".
يتم تهريب هؤلاء النساء عبر الحدود بحسب مواسم السياحة ووجود أصحاب الأموال العرب. في مواسم الصيف يرتفع الطلب على السياحة الجنسية في لبنان وسوريا. أما في إجازات رمضان، فمصر ودبي تحتلان الصدارة. شبكات التنقّل هذه تم التعرّف اليها من خلال اعترافات بعض النساء اللواتي وقعن ضحايا الاتجار، وعبر تقارير رجال الشرطة في السجون، تؤكد مطر. فاستناداً إلى بداية العمل البحثي الذي تقوم به منظمة العمل الدولية (لبنان) من خلال جمع مؤشرات لبلورة رؤية شاملة، عُلم عن شبكة تهريب في الشرق الأوسط تستقدم نساءً إلى الدول العربية بهدف الاتجار بهن واستخدامهن في أسواق الدعارة. التهريب يتم وفق مطر بطريقتين: من خلال أوراق مزوّرة وعقود عمل وهمية (مثل تزوير أعمار النساء)، أو من دون المرور عبر النقاط الحدودية.
ازدواجية القانون
موقف لبنان الرسمي من الدعارة فيه الكثير من الالتباس والتناقض. فقد عرّف قانون البغاء الصادر في 6 شباط 1931 ممارسة الدعارة في المادة الأولى منه على الشكل الآتي: "مهنة كل امرأة تشتهر بالاستسلام عادة إلى الرجال لارتكاب الفحشاء مقابل أجر من المال سواء كان ذلك سراً أو علانية". وقد أجاز القانون المذكور فتح بيوت دعارة بشروط معينة، كما جاء في المادة 5 منه: "كل بيت تجيز فيه السلطات معاطاة البغاء يسمى بيت دعارة". في حين يعاقب قانون العقوبات في المادة 523 منه "من تعاطى الدعارة السرية أو سهلها" بالحبس من شهر إلى سنة. يقول المحامي فهمي كرامي، الذي يعمل حالياً على قضايا الدعارة مع "جمعية دار الأمل"، ان التناقض لا يكمن بين قانون البغاء وقانون العقوبات، إذ ان الأوّل يشرّع صراحة الدعارة، والثاني لا يعاقب سوى السرية منها "لكن الإشكالية تقع في التوجه الرسمي نحو إلغاء الدعارة الشرعية... لكن تنظيمها بشكل غير مباشر".
لنُشير أولاًً إلى ان قانون البغاء لم يُلغ ولم يعدّل، إلا ان الحكومة توقفت عن إعطاء التراخيص إلى ما سُمي بيوت الدعارة، وذلك بعد الحرب الأهلية. الأجهزة الأمنية تسير بالاتجاه ذاته، أي تفسير وقف التراخيص كمنع لكل أشكال العلاقات الجنسية في مقابل المال. فالشخص الذي يمارس الدعارة أو يسهلها يعاقب بالسجن من شهر إلى سنة، بينما الذي يُكره امرأة على الدعارة باستخدام وسائل الإكراه أو يعتمد في كسب معيشته على دعارة الغير يمكن ان يُحكم سنتين (المادتان 525 و527). غير ان قانون العقوبات لم يعاقب أو يجرم الزبون على ارتكاب "الفجور والتعرّض للأخلاق والآداب العامة"، وفق القانون المذكور.
في الوقت ذاته، وهنا بيت القصيد، ينظم الأمن العام اللبناني السياحة الجنسية التي تستخدم نساء أجنبيات في صناعة الجنس. يراقب الدخول، وإقامة "فنانات الملاهي الليلية" وخروجهن، واللواتي يعملن في "السوبر نايت كلوب" (اي الكاباريهات) القادمات أساساً من أوروبا الشرقية (لدرجة ان بعض تعليمات الأمن العام على مدخل "شعبة الفنانين" كُتبت بالروسية والأوكرانية). عقد العمل بين "الفنانة" وصاحب الكاباريه يُوقّع في الأمن العام – "شعبة الفنانين" عند وصولها إلى لبنان. إلا ان قانون العمل الصادر عام 1946 لا يطبّق على "الفنانات"، فيخضعن لنظام خاص وضعته مديرية الأمن العام في كتيّب بعنوان "الإناث العاملات في مجال الملاهي، عروض الأزياء والتدليك غير الطبي – حقوق وواجبات".
تدخل بتأشيرة "فنانة"، فقط للتمويه! وتنتهي الغالبية الساحقة منهن في التجارة الجنسية. وقد أشارت المقررة الخاصة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة سيغما هدى، في المؤتمر الصحافي الذي عقدته في 15 أيلول 2005، الى ان بعض "الفنانات" يفاجأن عند وصولهن الى الأراضي اللبنانية بنوعية العمل الذي أتيّن من أجله "فقادهن وضعهن الاقتصادي والاجتماعي إلى القبول بشروط العمل هذه، وبالتالي أجبرن بطريقة أو بأخرى على ممارسة الدعارة". في السياق نفسه، حكت لنا هبة ابو شقرا عن نساء أتين للعمل في مطاعم، فوجدن أنفسهن في أسواق البغاء "بعضُهن عدن إلى بلادهن، لكن البعض الآخر لم يكن لديهن خيار العودة"، مضيفة ان بعض النساء "أجبرن على ممارسة الدعارة بعد اعتداءات جنسية متكررة من قبل رب العمل أو تعاطيهن المخدرات مكرهات".
موقف لبنان الرسمي من الدعارة فيه الكثير من الالتباس والتناقض. فقد عرّف قانون البغاء الصادر في 6 شباط 1931 ممارسة الدعارة في المادة الأولى منه على الشكل الآتي: "مهنة كل امرأة تشتهر بالاستسلام عادة إلى الرجال لارتكاب الفحشاء مقابل أجر من المال سواء كان ذلك سراً أو علانية". وقد أجاز القانون المذكور فتح بيوت دعارة بشروط معينة، كما جاء في المادة 5 منه: "كل بيت تجيز فيه السلطات معاطاة البغاء يسمى بيت دعارة". في حين يعاقب قانون العقوبات في المادة 523 منه "من تعاطى الدعارة السرية أو سهلها" بالحبس من شهر إلى سنة. يقول المحامي فهمي كرامي، الذي يعمل حالياً على قضايا الدعارة مع "جمعية دار الأمل"، ان التناقض لا يكمن بين قانون البغاء وقانون العقوبات، إذ ان الأوّل يشرّع صراحة الدعارة، والثاني لا يعاقب سوى السرية منها "لكن الإشكالية تقع في التوجه الرسمي نحو إلغاء الدعارة الشرعية... لكن تنظيمها بشكل غير مباشر".
لنُشير أولاًً إلى ان قانون البغاء لم يُلغ ولم يعدّل، إلا ان الحكومة توقفت عن إعطاء التراخيص إلى ما سُمي بيوت الدعارة، وذلك بعد الحرب الأهلية. الأجهزة الأمنية تسير بالاتجاه ذاته، أي تفسير وقف التراخيص كمنع لكل أشكال العلاقات الجنسية في مقابل المال. فالشخص الذي يمارس الدعارة أو يسهلها يعاقب بالسجن من شهر إلى سنة، بينما الذي يُكره امرأة على الدعارة باستخدام وسائل الإكراه أو يعتمد في كسب معيشته على دعارة الغير يمكن ان يُحكم سنتين (المادتان 525 و527). غير ان قانون العقوبات لم يعاقب أو يجرم الزبون على ارتكاب "الفجور والتعرّض للأخلاق والآداب العامة"، وفق القانون المذكور.
في الوقت ذاته، وهنا بيت القصيد، ينظم الأمن العام اللبناني السياحة الجنسية التي تستخدم نساء أجنبيات في صناعة الجنس. يراقب الدخول، وإقامة "فنانات الملاهي الليلية" وخروجهن، واللواتي يعملن في "السوبر نايت كلوب" (اي الكاباريهات) القادمات أساساً من أوروبا الشرقية (لدرجة ان بعض تعليمات الأمن العام على مدخل "شعبة الفنانين" كُتبت بالروسية والأوكرانية). عقد العمل بين "الفنانة" وصاحب الكاباريه يُوقّع في الأمن العام – "شعبة الفنانين" عند وصولها إلى لبنان. إلا ان قانون العمل الصادر عام 1946 لا يطبّق على "الفنانات"، فيخضعن لنظام خاص وضعته مديرية الأمن العام في كتيّب بعنوان "الإناث العاملات في مجال الملاهي، عروض الأزياء والتدليك غير الطبي – حقوق وواجبات".
تدخل بتأشيرة "فنانة"، فقط للتمويه! وتنتهي الغالبية الساحقة منهن في التجارة الجنسية. وقد أشارت المقررة الخاصة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة سيغما هدى، في المؤتمر الصحافي الذي عقدته في 15 أيلول 2005، الى ان بعض "الفنانات" يفاجأن عند وصولهن الى الأراضي اللبنانية بنوعية العمل الذي أتيّن من أجله "فقادهن وضعهن الاقتصادي والاجتماعي إلى القبول بشروط العمل هذه، وبالتالي أجبرن بطريقة أو بأخرى على ممارسة الدعارة". في السياق نفسه، حكت لنا هبة ابو شقرا عن نساء أتين للعمل في مطاعم، فوجدن أنفسهن في أسواق البغاء "بعضُهن عدن إلى بلادهن، لكن البعض الآخر لم يكن لديهن خيار العودة"، مضيفة ان بعض النساء "أجبرن على ممارسة الدعارة بعد اعتداءات جنسية متكررة من قبل رب العمل أو تعاطيهن المخدرات مكرهات".
القصة لا تنتهي هنا، ويتعامل قانون العقوبات اللبناني مع الضحية كمجرمة: تُوقف، تُحاكم وتُسجن! اعتبر طوق ان وضع ممارِسات الدعارة "أسوأ من وضع الخادمات، لأن الخادمات يفتقرن إلى قوانين حماية، أما المومسات فالقانون ضدهن". بينما أصحاب الكاباريهات الذين تعمل لديهم "الفنانات"، فالقانون إلى جانبهم دائماً، يرتفع سقفه وينخفض حسب مصالحهم. على سبيل المثال لا الحصر، من حقوق فنانات الملاهي الليلية "مجالسة الزبون طوعاً، باستثناء الدعارة" (من النظام الخاص بـ "فنانات الملاهي الليلية"). إذاً، يمكن لصاحب الكاباريه بكل بساطة ان ينكر علمه بخروج "الفنانة" مع الزبون في اليوم التالي من مجالسته، بينما تُساق هي إلى السجن، علماً ان الأمن العام أكثر من يعرف ان تلك "الفنانات" يعملن في أسواق الدعارة، والدليل على ذلك انه يطلب منهن إجراء الفحوص المخبرية للأمراض الناتجة من العلاقات الجنسية (سيدا وسفلس) وفحص للحمل كل ثلاثة أشهر (الأمر الذي لا يحدث للفئات الأخرى من الأجانب).
هكذا، تمنع الدعارة في لبنان وتنظّم في الوقت عينه. ازدواجية تُعرّض هذه الفئة من النساء لمخاطر الاتجار، في حين تحمي المتاجرين بهن تحت غطاء التزام القانون وتعليمات الأمن العام.
الكتيّب والقنينة
نحو 5000 تأشيرة "فنانة" تصدر سنوياً بحيث توجد في أي وقت من السنة 2500 فنانة في لبنان، استناداً إلى المعلومات المقدمة من المقررة الخاصة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. الأمن العام هو الجهة المختصة بتنظيم إقامة الفنانات الأجنبيات في لبنان، غير أننا واجهنا صعوبة بالغة في الحصول على معلومات من هذا المصدر. فالمدير العام للأمن العام لم يجب عن رسالة رسمية طلباً لمقابلة معه أو مع أحد مساعديه، كما ان أحد ضباط "شعبة الفنانين" أجاب عن سؤال متعلق بتكاليف الفحوص وسوى ذلك من المعلومات البديهية بـ "إسألي صاحب كاباريه ممكن يفيدك أكتر منا"، كما رفض ان يعطينا "الكتيّب الخاص بالفنانات"، مما يطرح علامات استفهام حول شفافية عمل الأمن العام.
عند وصولها إلى لبنان، تُوقّع "الفنانة" عقد عمل بينها وبين رب عملها لمدة شهر قابل للتجديد لغاية ستة أشهر، لكن لا يمكنها ان تعود إلى بلادها قبل 3 أشهر. مدة عملها يجب ألا تتجاوز الستة أشهر من دون انقطاع، كما عليها ان تمضي في الخارج 6 أشهر لتعود مجدداً للعمل في لبنان كـ "فنانة" (العربية يمكن ان تبقى سنة كاملة). يتضمن العقد "قيمة الأجر الذي تتقاضاه والجهة التي تتحمّل نفقات تذكرة السفر والفحوص المخبرية" (وفق الكتيّب الخاص). إلا ان صاحب "سوبر نايت كلوب" في المعاملتين حدثنا انه غالبا ما تكون نفقات السفر والفحوص المخبرية على حساب "الفنانة". تدفع 400 الف ليرة كل 3 اشهر للقيام بالفحوص المطلوبة، يضاف الى ذلك تكاليف ختم جواز السفر كل 3 اشهر ايضا. أمّا راتبها فيتراوح بين 400 و700 دولار في الشهر، حسب جنسيتها ومستوى الكاباريه الذي تعمل فيه، مما يعني انّها تجبر في بعض الحالات على " العمل البرّاني" لتوفر مصاريف السفر ومدفوعات الامن العام.
في الكاباريه كل شيء يتعلّق بالـ" قنينة" التي تتعتبر من اساسيات قواعد الليل. هي العقد الباطني الذي يتم بين صاحب الكاباريه و الزبون. سعر القنينة يتراوح بين 80 و 150 الف ليرة، مهما كانت ماركتها او نوعيتها..فقيمتها تكمن في رمزيتها. فمع كل قنينة تشتري جسد امراة، تختاره من منصة الرقص و" تستخدمه" في اليوم التالي مقابل نحو 100 دولار خلال فترة استراحتها، اي من الساعة الاولى بعد الظهر الى السابعة مساء. يمكنك ايضا ان تختار الـ" بيكولو" بنحو 25 دولار، عندما تكتفي بمجالستها طوال الليلة في مكان مظلم يقع عادة وراء منصة الرقص. يتحقق رب العمل من اسم الزبون ليتاكد انه الرجل نفسه الذي فتح لها قنينة في الليلة السابقة،كما يطلب رقم هاتفه وسيارته قبل ان تخرج معه من الفندق.
اما دوام العمل في الملهى، فيبدأ الساعة العاشرة ليلا و ينتهي في الرابعة صباحا. يمنع على "الفنانة" الخروج من الفندق من الساعة الخامسة صباحا وحتى الاولى بعد الظهر ويحظر عليها السكن في غير الفنادق او الدور المددة من الامن العام. في حال توعكت صحيا، لا يحق لها التغيّب او التأخر عن العمل الا بناء على تقرير طبي من قبل طبيب الامن العام المعتمد. تحت الرقابة والسيطرة..يحتجز رب العمل جواز سفرها ويحدد الامن العام فساعات خروجها وقدومها الى الفندق. كما يمكنه ان يقيد حياتها الشخصية، اذ يمنع على "الفنانة" عقد الزواج من لبناني خلال فترة وجودها في لبنان، كما يرفض دخولها الى لبنان اذا تزوجت من لبناني خارج لبنان الا بعد انقضاء مدة السنة وبعد الحصول على موافقة مسبقة من المديرية العامة للامن العام(وفق الكتيّب الخاص)، منتهكا ابسط حقوق الانسان و بديهيات القواعد الدولية.
اكثر ما استرعى انتباهنا في هذا الكتيّب ارقام هواتف يمكن لـ" الفنانة" ان تتصل بها لترفع شكوى خطيّة او شفهية الى الامن العام في حال تعرضت للاهانة او للضرب او اذا تم ارغامها على ممارسة الجنس مع الزبائن". هذا الحق في ذاته بالغ الاهمية. لكن هل اجهزة الامن مدربة فعلا على التعامل مع مسائل بهذه الحساسية؟ فقد اعتبر مطر ان الامن العام " ما زال يتعامل مع قضايا حقوق الانسان بطريقة تقليدية، باعتبار الضحية مجرمة يجب ان تحاكم. ثم ماذا لو تلقت سوء المعاملة او الاستغلال من الزبون نفسه، هل يمكنها ان تشتكي للامن العام على الارقام المذكورة؟"
اخبرنا احد "البار مان" في فندق بيروتي يستقدم "فنانات" انه كثيرا ما يسمع قصصهن المتعلقة بظروف عملهن و قذارة الزبائن وساديتهن، يقول انهم " بفشو خلقن عندي على البار، بس ما بيعملو شي تاني".
**************************
التحقيق طلع ناقص على السايت..رح لخّص باقي التحقيق على شكل نقاط بما انّو عندي ياه كامل على النسخة الورقية :
- حالات الدعارة في سجن بعبدا، اكثريتها من الفئات المغبونة، كالسوريات، الفلسطينيات، السريلانكيات وغيرهن. ونادرا ما تدخل روسيات، اوكرانيات او رومانيات الى السجن. فقد اوقفت 3 اوكرانيات منذ فترة، اخلي سبيلهن بعد ثلاثة ايام، الامر الذي لا يحصل مع باقي الجنسيات " الرخيصة"، الا اذا كانت مسنودة ولديها من يطالب بها و يحرك ملفها.
- معظم اماكن الدعارة من فنادق الى بيوت وبارات "مسنودة" بطريقة او باخرى. واجهزة الامن تغض النظر عن الموضوع، احيانا بحجة السياحة واحيانا اخرى نتيجة تفشي الفساد والتواطؤ بين الاجهزة الامنية وتجار الجنس. على سبيل المثال هناك امّا مصرية في بار بالحمرا كانت تدفع رشوة للشرطة كل فترة لتغض النظر عن نشاط البار. عندما توقفت عن دفع المبلغ المتفق عليه، قبض عليها فورا. و احيانا اذا لم تخضع المومس لاوامر "الام" ، ممكن ان "تدز" عليها للشرطة في اطار التنسيق بينها وبين الاجهزة الامنية ايضا !
- حدثنا "بار مان " في فندق 3 نجوم يستقدم "فنانات" ان هناك طريقتين للتهرب من الكبسات: اما بدفع رشوة دورية لرجال الامن، واما بحجز غرفتين في الطابق تجعل من اقامة الزبون والمومس قانونية.
- هناك مكاتب محامين " متخصصين" بقضايا الدعارة، يعملون لحساب بعض القوادين واصحاب الكاباريهات والبارات، او يبتزون عائلة الموقوفة بمبالغ كبيرة تصل الى 2000 دولار ( مع ان ملف الدعارة غير مكلف في العادة) فيتم اخلاء سبيلهن على الفور.
- الدعارة تتسلل احيانا الى داخل السجن، بحيث تعمل بعض المومسات على توسيع شبكة الدعارة باستقطاب نساء للعمل، بالتنسيق مع قوادها او مع "الام".
- الجهود التي تبذلها بعض الجمعيات في لبنان من خدمات اجتماعية، صحية، نفسية و قانونية مهمة جدا. لكن العمل لحماية ضحايا البغاء والاستغلال الجنسي ما زال خجولا، اذ ان عدد المستفيدات من خدمات الجمعيات المذكورة ضئيل جدا مقارنة بعدد الضحايا.
يبقى ان بعض الجهات الدولية، من منظمات حكومية وغير حكومية، بدأت تعير اهتماما خاصا لموضوع الاتجار، خصوصا بعد برتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص، وبخاصة النساء والاطفال،المكمل لاتفاق الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.
http://dalallaila.wordpress.com/2009/06/03/prostitution-lebanon/
ReplyDelete