Free counter and web stats

Friday, July 31, 2009

مشاهد من مسرحيات "الإزدهار" والعصرنة

المشهد الأول: يُنزلون البيرة والويسكي على الطاولة، موسيقى صاخبة جدًّا تحدّ من إمكانية التواصل الشفهي، يُخرج من جيب قميصه علبة دخان، يضع السيجارة بين شفتيه، من دون أن يتفوه بأي كلمة يربت على ظهر النادل ليُخرج من جيبه قداحة ليشعل سيجارة الزبون ويمضي في طريقه.

المشهد الثاني: حلبة الرقص، الأجساد تحاكي بعضها، تفوح رائحة العطر الممزوج بالعرق، الكحول يُذبل نظرات الراقصين يؤرجح بطونهم على إيقاع الموسيقى. يأتي النادل إلى وسط الحلبة يحمل طبق مقبلات حارّة، يعتذر من الفتاة التي طلبت المقبلات لأنه قاطع ترنحها على نغم الهيب هوب. يقف إلى جانبها وبين أصدقائها الذين شكلوا دائرة رقص، يمدّون أيديهم إليه ليأخذون الطعام من الصحن في يد النادل الذي تحول الى طاولة.

المشهد الثالث: حان وقت إغلاق المكان، المطعم يقع في الطابق الخامس من المبنى الراقي. الشبان المتعبين، الكادحين بعد ليلة رقص مرهقة يتوقون للرجوع إلى السيارات التي تنتظرهم. يدخلون المصعد الكهربائي الذي يُفتح بضغط موظف الأمن على الزر، يُغلق الباب لكن المصعد لا ينزل. ربما كان معطلاً، أو ربما كان هناك الكثير من الناس داخله فيفوق الأمر قدرة احتمال المصعد، رغم ذلك يتفوه الشاب الذي يتصبب عرقًا جراء كده خلال السهرة: إنه موظف الأمن الغبي الذي يضغط على الزر فيمنع المصعد من النزول! يضحك رفاقه...

هذه ليست مشاهد من فيلم يتحدث عن أرستقراطية ما تعيش حياة خيالية منعزلة عن المجتمع، ليست حوادث في مجمع ملكي في إحدى مملكات النفط... إنها حياة الليل والسهر في احدى المدن الهندية. النادل ليس طالباً جامعياً يريد أن يؤمن مصروفه الشهري ليخرج مع رفاقه، الشبان على البار ليسوا "كول" يأتون برفقة رفاقهم ويتباهون أمام صديقاتهم. موظف الأمن أمام الملهى ليس برجل ضخم، يضع تحت رحمته كل من يرغب ارتياد المكان، إنهم كلهم ينتمون الى السواد الأعظم من الفقراء أو الأقل فقرًا، يجوز أنهم متزوجون ولديهم أولاد، يسكنون في أحياء شعبية ولا يجرؤون على تذوق طعام المطعم الذي يعملون فيه. لا يلبسون بنطلون جينز أزرق، قميص يبين شعيرات الصدر يتناسب والحذاء/السنيكرز ذات الماركة. بل يرتدون بنطلون قماش أكله الزمن أو لباس تقليدي يشبه التنورة، قميص أبيض لونه باهت لا يتماشى مع غيره من الثياب وصندل أو شحاطة. "الحداثة" أو العصرنة وصلتهم على شكل تلفزيون، بنطلون مهترىء وتلفون.. لا يفقهون الموسيقى الغربية، ولا الطعام الذي لا يحتوي الحرّ، وأينما تجولت تجد أيقونات ورسمات لآلهتهم. معظمهم لا يتجرؤون أو يمنعون من دخول المراكز التجارية التي تتحرش بأحيائهم. يشترون السجائر فلت، لكن النساء لا يدخنّ. العديد منهم لديه عربة تاكسي ذات ثلاث عجلات، آخرون يمرّون بشاحنتهم الصغيرة للمّ النفايات لإعادة تصنيعها مقابل مبلغ زهيد ومنهم من لديه دكانه الصغير بالكاد يجمع قوته منه.

هذا المشهد يتكرر في كثير من الدول النامية، بما فيها لبنان والدول العربية لكن بدرجات متفاوتة. مجتمعات تفقد أو ليس لديها طبقات متوسطة بالأصل، تعيش هويتين متناقضتين، فكلما كان الانفصام الثقافي أشدّ كلما تباعدت شرائح المجتمع عن بعضها. الفقراء يتلقون بعض فتات الحداثة والنمو، الأغنياء يعيشون خارج مجتمعاتهم، يتخبطون بين هويات ثقافية لا يستطيعون التوفيق بينها، يقطفون ثمار الإزدهار الإقتصادي ويمنعون إعادة توزيعه بحجة أن تزايد ثروتهم سيكون له انصباب غير مباشر على الفقراء حين يقومون بتوظيفهم في ملاهيهم أو مجمعاتهم السكنية. لكن تطلعهم العصري يجعلهم يرفضون السكن في مدينة تعج بالفقراء، الأحياء الشعبية والدكاكين الصغيرة، فيهمّون بتجميل هذه الأحياء بمطاعم فخمة، مراكز تجارية ومجمعات سكنية ضخمة تقتحم الأحياء، تستفز حياة الأناس العاديين، فينتج عن ذلك مدن بشعة، مسخ حداثة، فقر متفاقم وكبت طبقي... النادل في المشاهد أعلاه يمكن أن يرتكب أعمال عنف، ينخرط في حزب ثوري، لكن في الهند المرجح هو أنه راضٍ عمّا يعيشه أو يائس...النتيجة ذاتها.

No comments:

Post a Comment

 
View blog authority Global Voices: The World is Talking, Are You Listening?
دوّن - ملتقى المدونين العرب Globe of Blogs http://rpc.technorati.com/rpc/ping Blog Directory