Free counter and web stats

Friday, April 3, 2009

بنغالور(الهند)، مجرد انطباع مشبوه




بيروت، القاهرة، بنغالور وغيرها من مدن جنوب الكرة الأرضية، نظنها بالغة الاختلاف فننبش الخصوصيات لنتباهى بها ونشهر تميّزنا. لكنها في الواقع توقظ فينا ذات الشعور وتبعث العواطف المتناقضة نفسها والإنطباعات الأولى المشبوهة عينها. هذا كان أول شيء خطر ببالي وأنا أركب الباص المجنون الذي يوصلني إلى المدينة. أتطلع من النافذة على الناس، السيارات والطرقات التي هي أحيانًا وعرة. لقد خُيَل لي أنني في بيروت.. أو بالأحرى في القاهرة، يجوز أنني كنت في بنغالور.


معالم الحياة تتكرر، السائقين المجانين هم نفسهم لكن بشرتهم تتختلف، زحمات السير الخانقة تتشابه لكن بكثافة أكبر، الغبار الذي يحتل الجو يرافقك ليعشش داخل الروايا، الشوارع والطرقات التي تعج بالناس فتتكاتفون، لا مفرّ من ذلك، وغيرها من معالم المدن المتوسعة والتي تبتلع الناس، وتجبرك على الوقوع في غرام هذه الفوضى والضياع، فتقول لنفسك: نعم، هنا يوجد أناس يعيشون...وبكثرة! لكنك تتسائل أيضًا هل هذه فوضى حياة وإبداع أم فوضى دمار ذاتي؟ لماذا يعيشون هكذا؟ هل هذا من معالم التفكك من القيود ويريدون فقط العيش على طريقتهم، أم ببساطة ذلك يدل على يأس واستقالة اجتماعية وفقدان أي رغبة وإمكانية للخروج من الفقر استبداده؟ مهما يكن الجواب، فلن تخرج من هذه المدن كما كنت قبل دخولها، ستسكن فيك لتعذبك وتكرهها أم لتعشقها وترجع إليها، لا محال!

في طريقي إلى الجامعة صادفت عشرات زحمات السير خيًل لي أني أركب باصًا على طلعة السوديكو لكن الفرق أن في الهند أو بالأحرى بنغالور، الناس يكتفون بالتزمير فلا يريدون سمّ بدنهم في الصراخ والشتم... وصلت إلى أسفل جسر دعائمه غلفتها ملصقات إعلانية، مليء بالتاكسيات الصغيرة والباصات التي تزعق لمناداة الركاب، فكدت أنزل لأستقل حافلة لتقلني إلى طرابلس، لكني تذكرت أنني لست على شارل حلو ولا تحت جسر الدورة! على أطراف الطريق تنبت محال صغيرة كفطريات على طرف الشارع تبيع كل شيء من الفاكهة والقماش والقهوة، محال من تنك لكنها أيضًا مكتظة. هنا أيضًا تتسابق الباصات وقطع الطريق مخاطرة. لم أستطع استيعاب أين أنا إلّا حين نجحت أن أدمج برأسي صورة مخيم فلسطيني، منطقة البداوي، التبانة، الدورة، أجزاء من ضاحية بيروت الجنوبية... إنها بنغالور...


حين كنت في الطائرة رحت أفكر وأقول: أخيرًا سأصل إلى البلاد التي كان الأوروبيون وما زالوا يعيشونها في رغباتهم ويجعلون منها أرضًا خيالية، كما فعلوا في بلادنا، كان يقولون: هذا هو الشرق السحري! نعم وجدت الشرق، شرق مدن الإسمنت والعشوائية في اللاتنظيم المدني، شرق الفقر والتسول، شرق التناقضات الاجتماعية حيث في هذه المدينة، وسط شارع مكنظ بالناس الكادحين يشرأب أمامك مباني سكنية طفيلية وبشعة محروسة من قبل رجال الأمن وإلى جانبها مجمع تجاري مسلوخ عن محيطه. هذا هو الشرق، حيث تنقطع الكهرباء (في بنغالور أيضًا)، حيث يصبح الفساد جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية... يأتون إلى هنا بدافع رفاهة البحث عن نفسهم وعن روحهم فيجدون شعبًا غريب عن نفسه ومسلوخة روحه!


هذه انطباعات أولى مشبوهة جدًّا، فالمشهد لا يخلو من نساء يرتدين أخف الألبسة الملونة الغامقة منها أو الفاقعة، تظهر بطونهن لكنه ليس من الحشمة أن تبين الكتف أم الساق. وأناس يشبهون بعضهم بلباسهم فلا تستطيع تمييزهم اجتماعيًا (كغريب طبعًا)، الابتسامة مرسومة والتواضع لا يغيب. الحرّ في كل وجبة حتى في الفطور الصباحي، كأنها طريقتهم للقول للجو الحار القاتل أنهم لا يأبهون به. تشرب القهوة المغمورة بالحليب لنرطيب جوّ جسمك الملتهب، أم هي طريقة الإنكليز بنحضير القهوة، لا يهم! عندما تجلس تراقب الناس يضحكون، يتكلمون، ينفعلون فتقول لنفسك: إنهم لا يختلفون كثيرًا عنَا، إنهم فقط يهزون رأسهم من اليمين إلى اليسار حين يوافقون، وابتساماتهم أكثر عرضًا ويقودون على اليسار...لكنه مجرّد انطباع أول مشبوه...

 

 

1 comment:

 
View blog authority Global Voices: The World is Talking, Are You Listening?
دوّن - ملتقى المدونين العرب Globe of Blogs http://rpc.technorati.com/rpc/ping Blog Directory